الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الاختلاف في أقل مدة الطهر

قال أبو حنيفة ؛ وأبو يوسف؛ ومحمد؛ وزفر؛ والثوري ؛ والحسن بن صالح ؛ والشافعي : "أقل الطهر خمسة عشر يوما"؛ وهو قول عطاء ؛ وأما مالك بن أنس فإنه لا يوقت فيه شيئا؛ في إحدى الروايات؛ وفي رواية عبد الملك بن حبيب؛ عنه أن الطهر لا يكون أقل من خمسة عشر؛ وقال الأوزاعي : قد يكون الطهر أقل من خمسة عشر؛ ويرجع فيه إلى مقدار طهر المرأة قبل ذلك.

وقد حكي عن الشافعي أنه إن علم أن طهر المرأة أقل من خمسة عشر جعل القول قولها.

وذكر الطحاوي ؛ عن أبي عمران ؛ عن يحيى بن أكثم ؛ أنه قال: "أقل الطهر تسعة عشر يوما"؛ واحتج فيه بأن الله (تعالى) جعل عدل كل حيضة؛ وطهر شهرا؛ والحيض في العادة أقل من الطهر؛ فلم يجز أن يكون الحيض خمسة عشر؛ فوجب أن يكون عشرة؛ وأن يكون باقي الشهر طهرا؛ وهو تسعة عشر; لأن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوما.

وقد حكينا عن سعيد بن جبير أن الطهر أقله ثلاثة عشر يوما؛ والدليل على أن أقله خمسة عشر يوما أنه لما كان أكثر الحيض [ ص: 31 ] عشرة أيام؛ وقد جعل الله (تعالى) الشهر الواحد بدلا من حيض؛ وطهر؛ وجب أن يكون الطهر أكثر منه; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لحمنة: "تحيضي في علم الله ستا؛ أو سبعا؛ كما تحيض النساء في كل شهر"؛ فأثبت الست؛ أو السبع حيضا؛ وجعل في الشهر طهرا؛ اقتضى ذلك أن يكون هذا حكم جميع النساء؛ ما لم تقم الدلالة على خمسة عشر يوما؛ ولم تقم على عشرة؛ ولا على ثلاثة عشر؛ فلا يكون ذلك طهرا صحيحا؛ وأيضا لما كان الطهر من الحيض يلزم به الصلوات؛ أشبه الإقامة؛ فلما كان أقل الإقامة عندنا خمسة عشر يوما؛ ولم يكن لأكثرها غاية؛ وجب أن يكون الطهر من الحيض كذلك؛ وأيضا فإن طريق إثبات مقدار الطهر التوقيف؛ أو الاتفاق؛ وقد ثبت؛ باتفاق فقهاء السلف؛ أن خمسة عشر يكون طهرا صحيحا؛ واختلفوا فيما دونها؛ وقفنا عند الاتفاق؛ ولم نثبت ما دونها طهرا؛ لعدم التوقيف والاتفاق فيه؛ وأما ما حكي عن يحيى بن أكثم من تقديره الطهر تسعة عشر يوما؛ فإنه يفسد من وجوه؛ أحدها أن اتفاق السلف قد سبقه في كون الطهر خمسة عشر؛ فلا يكون خلافا عليهم؛ ولأن من تقدمه اختلفوا فيه على ثلاثة أوجه؛ قال عطاء : خمسة عشر يوما؛ وقال سعيد بن جبير : ثلاثة عشر يوما؛ وقال مالك - في بعض الروايات -: خمسة عشر؛ وفي بعضها: عشرة؛ ولم يقل أحد منهم تسعة عشر؛ ويفسد من جهة أنه أثبت له مقدارا من غير توقيف؛ ولا اتفاق؛ وذلك غير جائز فيما هذا وصفه؛ وأما احتجاجه بما قدمنا ذكره فلا معنى له؛ ولا يوجب ما ذكرنا؛ وذلك لأنه معلوم أن ما أقامه الله (تعالى) من الشهر الواحد مقام حيضة؛ وطهر؛ غير مانع وجود حيضة؛ وطهر؛ في أقل من شهر; لأنه لو كان حيضها ثلاثة أيام حصل لها حيضة؛ وطهر؛ في أقل من شهر؛ وإذا لم يدل إيجاب الله (تعالى) شهرا عن حيضة؛ وطهر؛ على وجود حيضة؛ وطهر؛ في أقل منه؛ وجاز نقصان الحيض عن عشرة؛ حتى تستوفى لها حيضة؛ وطهر؛ في أقل من شهر؛ وتنقضي عدتها بالحيض في أقل من ثلاثة أشهر؛ وإن لم يجز أن تنقضي عدتها إذا كانت بالشهور في أقل من ثلاثة أشهر؛ لم يمتنع أن ينقص الطهر بعد استيفاء الحيضة عشرا؛ فيكون أقل من تسعة عشر يوما؛ فبان بما وصفنا أن ما ذكره ليس بدليل على وجوب الاقتصار في أقل الطهر على تسعة عشر يوما؛ وإنما يدل ذلك على أن الطهر قد يكون هذا القدر؛ ولا دلالة فيه على أنه لا يكون أقل منه؛ والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية