الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الشرط الرابع : العدد . فلا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين ، هذا هو المذهب الصحيح المشهور . ونقل صاحب " التلخيص " قولا عن القديم : أنها تنعقد بثلاثة : إمام ، ومأمومين . ولم يثبته عامة الأصحاب . ويشترط في الأربعين : الذكورة ، والتكليف ، والحرية ، والإقامة على سبيل التوطن . وصفة التوطن : أن لا يظعنوا عن ذلك الموضع شتاء ولا صيفا ، إلا لحاجة . فلو كانوا ينزلون في ذلك الموضع صيفا ، ويرتحلون شتاء ، أو عكسه ، فليسوا مستوطنين ; فلا تنعقد بهم . وفي انعقادها بالمقيم الذي لم يجعل الموضع وطنا له خلاف نذكره في الباب الثاني - إن شاء الله تعالى - . وتنعقد بالمرضى على المشهور . وفي قول شاذ : لا تنعقد بهم ، كالعبيد . فعلى هذا ، صفة الصحة شرط خامس . ثم الصحيح ، أن الإمام من جملة الأربعين . والثاني : يشترط أن يكون زائدا على الأربعين . وحكى الروياني هذا الخلاف قولين . الثاني القديم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        العدد المعتبر في الصلاة - وهو الأربعون - معتبر في الكلمات الواجبة من الخطبتين ، واستماع القوم لها . فلو حضر العدد ، ثم انفضوا كلهم ، أو بعضهم ، وبقي دون أربعين ، فتارة ينقصون قبل الخطبة ، وتارة فيها ، وتارة بعدها ، وتارة في الصلاة ، فإن انفضوا قبل افتتاح الخطبة ، لم يبتدأ بها حتى يجتمع أربعون ، [ ص: 8 ] وإن كان في أثنائها ، فلا خلاف أن الركن المأتي به في غيبتهم غير محسوب ، بخلاف ما إذا نقص العدد في الصلاة ، فإن فيها خلافا ، لأن كلا يصلي لنفسه ، فسومح بنقص العدد فيها . والخطيب لا يخطب لنفسه ، إنما الغرض : استماع الناس ، فما جرى ولا مستمع فات فيه الغرض ، فلم يحتمل . ثم إن عادوا قبل طول الفصل ، بنى على خطبته ، وبعد طوله ، قولان يعبر عنهما بأن الموالاة في الخطبة واجبة ، أم لا ؟ والأظهر : أنها واجبة ، فيجب الاستئناف . والثاني : غير واجبة فيبني . وبنى جماعة القولين ، على أن الخطبتين بدل من الركعتين فيجب الاستئناف ، أم لا ، فلا ولا فرق بين فوات الموالاة بعذر أو بغيره . ولو لم يعد الأولون ، واجتمع بدلهم أربعون ، وجب استئناف الخطبة ; طال الفصل أم قصر . أما إذا انفضوا بعد فراغ الخطبة ، فإن عادوا قبل طول الفصل ، صلى الجمعة بتلك الخطبة . وإن عادوا بعد طوله ، ففي اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة قولان . الأظهر : الاشتراط . فلا يمكن الصلاة بتلك الخطبة . وعلى الثاني : يصلي بها . ثم نقل المازني أن الشافعي قال : أحببت أن تبتدئ الخطبة ، ثم يصلي الجمعة ، فإن لم يفعل ، صلى بهم الظهر . واختلف الأصحاب في معناه ، فقال ابن سريج ، والقفال ، والأكثرون : يجب أن يعيد الخطبة ، ويصلي بهم الجمعة لتمكنه . قالوا : ولفظ الشافعي : أوجبت ، ولكنه صحف . ومنهم من قال : أراد بأحببت : أوجبت . قالوا : وقوله : صلى بهم الظهر ، محمول على ما إذا ضاق الوقت . وقال أبو إسحاق : لا يجب إعادة الخطبة ، لكن يستحب ، وتجب الجمعة للقدرة . وقال أبو علي في " الإفصاح " : لا تجب إعادة الخطبة ، ولا الجمعة ، ولكن يستحبان عملا بظاهر النص . ودليل الثاني والثالث في ترك الخطبة ، خوف الانفضاض ثانيا ، فسقطت بهذا العذر ، وحصل خلاف في وجوب إقامة الجمعة ، كما اختصره الغزالي ، فقال : إن شرطنا الموالاة ، ولم تعد الخطبة ، أتم المنفضون . وهل يأثم الخطيب ؟ قولان . [ ص: 9 ] قلت : الأصح قول ابن سريج ، ومتابعيه ، وأن الخطيب يأثم إذا لم يعد ، - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وسواء طال الفصل والخطيب ساكت ، أو مستمر في الخطبة ، ثم لما عادوا أعاد ما جرى من واجبها في حال الانفضاض . أما إذا أحرم بالعدد المعتبر ، ثم حضر أربعون آخرون وأحرموا ، ثم انفض الأولون ، فلا يضر ، بل يتم الجمعة ، سواء كان اللاحقون سمعوا الخطبة ، أم لا . قال إمام الحرمين : ولا يمتنع عندي أن يقال : يشترط بقاء أربعين سمعوا الخطبة ، فلا تستمر الجمعة إذا كان اللاحقون لم يسمعوها . فأما إذا انفضوا ولحق أربعون على الاتصال ، فقد قال في ( الوسيط ) : تستمر الجمعة . لكن يشترط هنا أن يكون اللاحقون سمعوا الخطبة . أما إذا انفضوا فنقص العدد في باقي الصلاة ، ففيه خمسة أقوال منصوصة ومخرجة . أظهرها : تبطل الجمعة ويشترط العدد في جميعها . فعلى هذا ، لو أحرم الإمام ، وتبطأ المقتدون ، ثم أحرموا ، فإن تأخر تحرمهم عن ركوعه ، فلا جمعة . وإن لم يتأخروا عن ركوعه ، فقال القفال : تصح الجمعة . وقال الشيخ أبو محمد : يشترط أن لا يطول الفصل بين إحرامه وإحرامهم . وقال إمام الحرمين : الشرط أن يتمكنوا من إتمام الفاتحة ، فإذا حصل ذلك ، لم يضر الفصل ، وهذا هو الأصح عند الغزالي . والقول الثاني : إن بقي اثنان مع الإمام ، أتم الجمعة ، وإلا بطلت . والثالث : إن بقي معه واحد ، لم تبطل ، وهذه الثلاثة منصوصة . الأولان في الجديد . والثالث : القديم . ويشترط في الواحد والاثنين : كونهما بصفة الكمال . وقال صاحب " التقريب " : في اشتراط الكمال احتمال ، لأنا اكتفينا باسم الجماعة .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الاحتمال حكاه صاحب " الحاوي " وجها محققا لأصحابنا ، حتى لو بقي [ ص: 10 ] صبيان ، أو صبي ، كفى . والصحيح : اشتراط الكمال . قال في " النهاية " : احتمال صاحب " التقريب " غير معتد به . - والله أعلم - والرابع : لا تبطل وإن بقي واحد . والخامس : إن كان الانفضاض في الركعة الأولى بطلت الجمعة . وإن كان بعدها ، لم تبطل ، ويتم الإمام الجمعة وحده ، وكذا من معه إن بقي معه أحد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية