الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1852 - مسألة : ومن أعتق أمته على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها - لا صداق لها غيره - : فهو صداق صحيح ، ونكاح صحيح ، وسنة فاضلة .

                                                                                                                                                                                          فإن طلقها قبل الدخول فهي حرة ولا يرجع عليها بشيء ، فلو أبت أن تتزوجه بطل عتقها وهي مملوكة كما كانت .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 101 ] وفي هذا خلاف متأخر - : قال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وزفر بن الهذيل ، ومالك ، وابن شبرمة ، والليث : لا يجوز أن يكون عتق الأمة صداقها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو حنيفة ، وزفر ، ومحمد ، ومالك : إن فعل فلها عليه مهر مثلها وهي حرة .

                                                                                                                                                                                          ثم اختلفوا إن أبت أن تتزوجه - : فقال أبو حنيفة ، ومحمد : تسعى له في قيمتها .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك ، وزفر : لا شيء له عليها .

                                                                                                                                                                                          قال علي : البرهان على صحة قولنا وبطلان قول هؤلاء : الخبر المشهور الثابت الذي رويناه من طرق شتى كثيرة - : منها : من طريق البخاري ، ومن طريق عبد الرزاق ، ومن طريق حماد بن سلمة ، قال البخاري : ثنا قتيبة ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني ، وقال عبد الرزاق : عن معمر عن قتادة ، وقال حماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب ، ثم اتفق ثابت ، وقتادة ، وعبد العزيز كلهم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أعتق صفية وجعل عتقها صداقها }

                                                                                                                                                                                          قال قتادة في روايته : { ثم جعل } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فاعترض من خالف الحق على هذا الخبر بأن قال : لا يخلو أن يكون تزوجها وهي مملوكة ، فهذا لا يجوز بلا خلاف ، أو يكون تزوجها بعد أن أعتقها فهذا نكاح بلا صداق ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا أحمق كلام سمع لوجوه :

                                                                                                                                                                                          أولها - أنه اعتراض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا انسلاخ من الإسلام .

                                                                                                                                                                                          والثاني - أنه اعتراض مموه ساقط ، لأننا نقول لهم : ما تزوجها إلا وهي حرة بعد صحة العتق لها ، وذلك العتق الذي صح لها بشرط أن يتزوجها به وهو صداقها ، قد أتاها [ ص: 102 ] إياه ، واستوفته - ولا فرق بين هذا وبين من أعطى امرأة دراهم ثم خطبها فتزوجها على تلك الدراهم التي له عندها ، وهم لا ينكرون هذا .

                                                                                                                                                                                          والثالث - أنهم لو سألوا أنفسهم هذا السؤال في أقوالهم الفاسدة لأصابوا ؟ مثل توريثهم المطلقة ثلاثا في المرض ؟ فنقول لهم : لا يخلو من أن تكونوا ورثتموها وهي زوجة له ، أو وهي ليست بزوجة له ، ولا سبيل إلى قسم ثالث - : فإن كانت زوجته فقد كان تلذذه بمباشرتها ، ونظره إلى فرجها حلال له ما دام يجري فيه الروح ، وأنتم تحرمون عليه ذلك بتلا قطعا .

                                                                                                                                                                                          وإن كانت ليست زوجا له ، ولا أما له ، ولا بنتا له ، ولا جدة له ، ولا بنت ابن له ، ولا أختا ، ولا معتقة ، ولا ذات رحم ، فهذا عين الظلم ، وإعطاء المال بالباطل .

                                                                                                                                                                                          فإن ادعوا اتباع الصحابة ؟ قلنا : نحن أولى بالصواب ، وبوضوح العذر ، وبترك الاعتراض علينا ، إذ إنما اتبعنا هاهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة أيضا ، والتابعين زيادة ، فكيف وقد كذبتم في دعواكم اتباع الصحابة في توريث المطلقة ثلاثا في المرض ، على ما نبينه إن شاء الله تعالى في بابه ؟ وأقرب ذلك : أنه لم يصح عن عمر ، والمشهور عن عثمان أنه لم يعده طلاقا ، وفي قولهم في ولد المستحقة : إنهم أحرار وعلى أبيهم قيمتهم ؟

                                                                                                                                                                                          فنقول لهم : لا يخلو من أن يكونوا أحرارا أو عبيدا ، فإن كانوا أحرارا فثمن الحر حرام كالميتة والدم ، وإن كانوا عبيدا فبيع العبيد من غير رضا سيدهم حرام إلا بنص - ومثل هذا لهم كثير جدا ؟ وقال بعضهم : العتق ليس مالا ، فهو كالطلاق في أن العتق يبطل به الرق فقط ، والطلاق يبطل به النكاح فقط ، فلو أنه طلقها على أن يكون طلاقها مهرا لها بعد ذلك ، فكذلك العتق .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا قول في غاية الفساد والسخافة ، لأنه قياس والقياس كله باطل - ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ، لأن قياس أصل على أصل آخر لا يجوز [ ص: 103 ] عندهم ، ولا شبه بين الطلاق والعتق ، لأن العتق يبطل الرق كما قالوا ، وأما الطلاق فقد كذبوا في قولهم إنه يبطل النكاح ، بل للمطلق الذي وطئها دون الثلاث أن يرتجعها - فصح أنه لم يبطل نكاحه ، بخلاف العتق الذي لا يجوز له ارتجاعه في الرق .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإن العتق إخراج عن ملكه ، وليس الطلاق كذلك ؟ فبطل تمويههم البارد - والحمد لله رب العالمين . وقال بعضهم : هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا كذب ، ومخالفة لقول الله عز وجل : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فكل فعل فعله عليه الصلاة والسلام لنا الفضل في الائتساء به عليه الصلاة والسلام ما لم يأت نص بأنه خصوص فنقف عنده ، ولو قالوا هذا لأنفسهم في إجازتهم الموهوبة التي لا تحل لغيره عليه الصلاة والسلام لوفقوا .

                                                                                                                                                                                          وقال بعضهم : قد رويتم في ذلك ما كتب به إليكم داود بن بابشاذ قال : نا عبد الغني بن سعيد الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي نا أحمد بن داود ، نا يعقوب بن حميد - وهو ابن كاسب - قال : نا حماد بن زيد عن عبد الله بن عون قال : كتب إلي نافع : { أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ جويرية في غزوة بني المصطلق فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها أخبرني بذلك عبد الله بن عمر كان في ذلك الجيش }

                                                                                                                                                                                          قالوا : وابن عمر لا يرى ذلك ، فمحال أن يترك ما روى إلا لفضل علم عنده ، بخلاف ذلك ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لو صح ما ذكروه : من أن ابن عمر لم ير ذلك لما كانت فيه حجة ، لأن الحجة التي أمرنا الله تعالى بها وباتباعها ، إنما هي ما رووه لنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ما رواه من رآه منهم برأي اجتهد فيه وأصاب : إن وافق النص فله أجران ، أو أخطأ إن خالف النص غير قاصد إلى خلافه فله أجر واحد .

                                                                                                                                                                                          وقد أفردنا في كتابنا الموسوم ب " الإعراب في كشف الالتباس " بابا ضخما لكل [ ص: 104 ] واحدة من الطائفتين فيما تناقضوا فيه في هذا المكان ، فأخذوا برواية الصاحب وخالفوا رأيه الذي خالف به ما روى .

                                                                                                                                                                                          والذي نعرفه عن ابن عمر فهو ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم ، وجرير كلاهما عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : " إن ابن عمر كان يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها كالراكب بدنته " قال إبراهيم : وكان أعجب ذلك إلى أصحابنا أن يجعلوا عتقها صداقها فإنما كره ابن عمر زواج المرء من أعتقها لله عز وجل فقط - .

                                                                                                                                                                                          فبطل كيدهم الضعيف في هذه المسألة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : والخبر المذكور عن ابن عمر كتب به إلى داود بن بابشاذ قال : نا عبد الغني بن سعيد ثنا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي فذكر الحديث الذي ذكرنا آنفا .

                                                                                                                                                                                          ثم قال : فقد روى هذا ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                          ثم قال : هو من بعده عليه الصلاة والسلام في مثل هذا : إنه يجدد لها صداقا - : نا بذلك سليمان بن شعيب نا الخصيب - هو ابن ناصح - حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا نص كلام الطحاوي ، ولم يذكر كلام ابن عمر كيف كان ، ولعله لو أورده لكان خلافا لظن الطحاوي ، وهذا الحديث ليس مما رواه أصحاب حماد بن سلمة الثقات عنه ، والخصيب لا يدري حاله وليس بالمشهور في أصحاب حماد بن سلمة ، فهو أمر ضعيف من كل جهة .

                                                                                                                                                                                          والخبر الأول من رواية ابن عمر لا من جويرية هو من رواية يعقوب بن حميد بن كاسب وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                          وذكروا أيضا : الخبر الذي رويناه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أم المؤمنين { أن جويرية قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها [ ص: 105 ] وقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو ابن عم له ، وإنها كاتبته وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، وإنه عليه الصلاة والسلام قال لها : أو خير من ذلك ، أقضي عنك كتابتك وأتزوجك }

                                                                                                                                                                                          قالوا : وليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدي كتابة مكاتبة لغيره ويتزوجها بذلك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : قبل كل شيء فإن هذا خبر لا تقوم به حجة ، إنما رويناه عن محمد بن إسحاق من طريقين ضعيفين - : أحدهما - من طريق زياد بن عبد الله البكائي . والآخر - من طريق أسد بن موسى ، وكلاهما ضعيف .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لكان لا يخلو أن ثابت بن قيس وهبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرف رغبته عليه الصلاة والسلام فيها ، ولم تكن أدت من كتابتها بعد شيئا ، فبطلت الكتابة وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز أن يظن بثابت أو بصاحب غير هذا أصلا .

                                                                                                                                                                                          وأيضا - فلو لم يكن ذلك وتمادت على كتابتها حتى عتقت بأدائها أو بأداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها عنها لكانت مولاة ثابت ، وهذا لم يقله أحد قطعا ، ولا اختلف أحد من أهل العلم في أنها لم تكن مولاة ثابت أصلا

                                                                                                                                                                                          فوضح سقوط ما رواه أسد ، وزياد ، وبطل تعلقهم بهذه الملفقات التي لا تغني من الحق شيئا .

                                                                                                                                                                                          وموهوا أيضا : بما حدثنا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إسماعيل بن إسحاق نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا أبو بكر بن عياش نا أبو حصين عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرئ أعتق أمته ثم تزوجها بمهر جديد فله أجران } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 106 ] فهذا لفظ سوء انفرد به يحيى الحماني - وهو ضعيف جدا - عن أبي بكر بن عياش - وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                          والخبر مشهور من رواية الثقات ليس فيه بمهر جديد أصلا .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لم تكن فيه حجة أصلا ، لأنه ليس فيه أنه لا يجوز له نكاحها إلا بمهر جديد ، ونحن لا نمنع من أن يجعل لها مهرا آخر ، بل كل ذلك جائز - وهذا الخبر رويناه من طرق - : منها من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح بن حيان عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كانت له جارية فأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران اثنان } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله نا مطرف - هو ابن طريف - عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري { : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الذي يعتق أمته ثم يتزوجها فله أجران } ليس في شيء من ذلك مهر جديد .

                                                                                                                                                                                          أخبرنا أبو عمر بالسند المتقدم إلى مسلم قال : نا يحيى بن يحيى نا هشيم عن صالح بن صالح الهمداني عن الشعبي قال : رأيت رجلا من خراسان يسأل الشعبي فقال : يا أبا عمرو إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها : فهو كالراكب بدنته ؟ فقال الشعبي : حدثنا أبو بردة - هو عامر بن عبد الله بن قيس - هو أبو موسى الأشعري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فآمن به واتبعه وصدق به فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله عليه وحق سيده فله أجران ، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران } ثم قال الشعبي للخراساني : خذ هذا الخبر بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة قال مسلم : ونا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبدة بن سليمان ، ونا ابن أبي عمر : حدثنا سفيان ، ونا عبد الله بن معاذ قال : حدثني أبي قال : نا شعبة ، كلهم عن صالح بن صالح بهذا الإسناد نحوه .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 107 ] قال أبو محمد : هذا كل ما شغبوا به ، إنما هو أباطيل ، وممن قال بقولنا من السلف طائفة - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي بن أبي طالب أنه قال فيمن أعتق أمته ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها ؟ قال : " له أجران " وقد روي أيضا عن ابن مسعود ، وأنس .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا يحيى بن الأنصاري ، والمغيرة ويونس - هو ابن عبيد - وجابر ، قال يحيى : عن سعيد بن المسيب وقال المغيرة : عن إبراهيم ، وقال يونس : عن الحسن ، وقال جابر : عن الشعبي ، قالوا كلهم : لا بأس بأن يجعل عتقها صداقها ، قال هشيم : ونا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يقول " إذا قال الرجل لأمته قد أعتقتك وتزوجتك فهي امرأته ، وإن قال : أعتقتك وأتزوجك فأعتقها : إن شاءت تزوجته ، وإن شاءت لم تتزوجه " .

                                                                                                                                                                                          وكان الحسن يكره غير هذا - : كما روينا من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري أنه كره أن يعتق الرجل أمته لوجه الله ثم يتزوجها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وروي مثله عن أنس بن مالك ، وابن مسعود ، وجابر بن زيد ، وإبراهيم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون أن يعتق أمته ثم يتزوجها ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وعبد الله بن طاوس قال يحيى : عن سعيد بن المسيب وقال ابن طاوس : عن أبيه ، قالا جميعا : لا بأس أن يجعل عتقها صداقها ، قال طاوس : ذلك حسن .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : لا بأس أن يعتق الرجل أمته فيتزوجها ويجعل عتقها صداقها .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى معمر عن قتادة قال : إذا أعتق الرجل أمته وجعل عتقها مهرها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فلا شيء لها - [ ص: 108 ] وابن جريج يقول : إن طلقها سعت له في نصف قيمتها - وهو قول عطاء .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فهؤلاء : علي ، وأنس ، وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب وإبراهيم ، ومن لقيه إبراهيم من شيوخه ، والشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاوس ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقتادة ، وغيرهم - وهو قول سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأبي يوسف القاضي - خالف في ذلك أصحابه ووفق - والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور ، وبعض أصحابنا ، وما نعلم للمخالفين ، سلفا إلا تلك الرواية الساقطة عن ابن عمر التي لم يبين فيها كيف كان لفظه ؟ ولا كيف كان لفظ نافع الذي ذكر ذلك عنه ، وشيئا ربما ذكروه - :

                                                                                                                                                                                          رويناه من طريق سعيد بن منصور قال : نا هشيم نا يونس عن ابن سيرين أنه كان يحب أن يجعل مع عتقها شيئا ما كان ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : إنما هذا استحباب من ابن سيرين ، وإلا فهذا القول يدل على أنه كان يجيز أن يجعل عتقها صداقها فقط - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : إن طلقها قبل الدخول فلا شيء له عليها ، لأن الذي فرض لها هو عتقها - وهو شيء قد تم فلا يستدرك - وتكليف الغرامة هو إيجاب غير نصف ما فرض لها فلا يجوز .

                                                                                                                                                                                          وأما إن لم تتزوجه فإن عتق لم يتم ; إنما هو عتق بشرط أن تتزوجه فيكون صداقها ، فإذا لم تتزوجه فلا صداق لنكاح لم يتم فهو باطل ، وأما إن تزوجته فقد تم النكاح ، وصح العتق لصحة النكاح الذي علق به - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية