الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المؤمنين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي .

                                                            [ ص: 203 ]

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 203 ] الحديث الخامس ، وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله ، ولكن لا أجد سعة ؛ فأحملهم ، ولا يجدون سعة فيتبعوني ، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي . (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه مسلم من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ، ومن طريق أبي الزناد عن الأعرج ، وأخرجه البخاري من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، واتفقا عليه من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي صالح ، ومن طريق عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة خمستهم عن أبي هريرة .

                                                            (الثانية) السرية قطعة من الجيش تنفرد بالغزو ، وقال في النهاية يبلغ أقصاها أربعمائة ، وقال في المحكم ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة ، وقيل هي من الخيل نحو أربعمائة قال في النهاية سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة للعسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء ، وهذه ياء .

                                                            (الثالثة) قوله خلف سرية أي بعدها ، ومعنى الحديث واضح ، وفيه تعظيم أمر الجهاد ، وقد أوضح في الحديث صورة المشقة ، وهي أنه لا تطيب أنفس الصحابة بالتخلف عن الغزو ، ولا يقدرون على ذلك لاحتياجه إلى نفقة وكلفة مع ضيق الحال ، وقوله فأحملهم بالنصب في جواب النفي والسعة بفتح السين .

                                                            (الرابعة) وفيه رفقه صلى الله عليه وسلم بأمته ورأفته بهم ، وأنه يترك بعض أعمال البر خشية أن يتكلفوه فيشق عليهم ، وهو أصل في الرفق بالمسلمين [ ص: 204 ] والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم وفيه أنه إذا تعارضت المصالح بدئ بأهمها .

                                                            (الخامسة) وفيه أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين ، وإن كان في زمنه عليه الصلاة والسلام لذلك ، وهو الأصح ، وقيل كان في زمنه فرض عين ، وعلى القول بأنه فرض كفاية قد يتعين لعارض ، والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية