الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب أن يبسط أصابع يده اليسرى على فخذه [ اليسرى ] وفي اليد اليمنى ثلاثة أقوال :

                                      ( أحدها ) : يضعها على فخذه [ اليمنى ] مقبوضة الأصابع إلا المسبحة ، وهو المشهور لما روى ابن عمر رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين ، وأشار بالسبابة } .

                                      وروى ابن الزبير رضي الله عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس افترش اليسرى ونصب اليمنى ووضع إبهامه عند الوسطى وأشار بالسبابة ووضع اليسرى على فخذه اليسرى } وكيف يضع الإبهام ؟ فيه وجهان :

                                      ( أحدهما ) : يضعها بجنب المسبحة على حرف راحته أسفل من المسبحة كأنه عاقد ثلاثا وخمسين لحديث ابن عمر ، رضي الله عنهما .

                                      ( والثاني ) : يضعها على حرف أصبعه الوسطى لحديث ابن الزبير ، ( والقول الثاني ) قاله في الإملاء : يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويبسط المسبحة والإبهام ، لما روى أبو حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                      ( والقول الثالث ) : أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى لما روى وائل بن حجر : رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم عقد أصابعه الخنصر والتي تليها وحلق بأصبعه الوسطى على الإبهام ورفع السبابة ، ورأيته يشير بها } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عمر رواه مسلم بلفظه ، وحديث ابن الزبير رواه مسلم أيضا ، ولفظه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة وضع قدمه بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، وأشار بأصبعه } وفي رواية لمسلم أيضا عنه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بأصبعه السبابة ، ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى ، ويلقم كفه [ ص: 433 ] اليسرى ركبته } .

                                      وأما حديث أبي حميد فالذي رواه أبو داود وغيره عنه بالإسناد الصحيح أنه قال : { وضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى ، وأشار بأصبعه } ، وأما حديث وائل فرواه البيهقي بلفظه وابن ماجه بمعناه وإسناده صحيح . قال البيهقي : ونحن نخيره ونختار ما في حديث ابن عمر وابن الزبير لثبوت خبرهما وقوة إسنادهما ومزية رجالهما ورجحانهم في الفضل على عاصم بن كليب راوي حديث وائل .

                                      ( أما ألفاظ الفصل ) فالمسبحة هي السبابة ، سميت مسبحة ; لإشارتها إلى التوحيد والتنزيه وهو التسبيح ، وسميت سبابة ; لأنه يشار بها عند المخاصمة والسب ، وقوله " عقد ثلاثة وخمسين " شرط عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر ، وليس ذلك مرادا هنا ، بل مراده أن يضع الخنصر على الراحة كما يضع البنصر والوسطى عليها ، وإنما أراد صفة الإبهام والمسبحة ، وتكون اليد على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين اتباعا لرواية الحديث في صحيح مسلم وغيره كما سبق والله أعلم .

                                      ( أما أحكام المسألة ) فقال الشافعي والأصحاب : السنة في التشهدين جميعا أن يضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، واليمنى على فخذه اليمنى وينشر أصابعه اليسرى جهة القبلة ويجعلها قريبة من طرف الركبة بحيث تساوي رءوسها الركبة ، وهل يستحب أن يفرج الأصابع أم يضمها ؟ فيه وجهان ، قال الرافعي : الأصح أن يفرجها تفريجا مقتصدا ، ولا يؤمر بالتفريج الفاحش في شيء من الصلاة .

                                      وهذا اختيار صاحب الشامل وأكثر الخراسانيين أو كثير منهم .

                                      ( والثاني ) : يضعها موجهة إلى القبلة ، وهذا الثاني أصح ، وبه قطع المحاملي والبندنيجي والروياني وآخرون . ونقل الشيخ أبو حامد في تعليقه اتفاق الأصحاب عليه .

                                      وأما قول إمام الحرمين والغزالي ومن تابعهما : لا يؤمر بضم الأصابع إلا في السجود فهو اختيار منه لأحد الوجهين ، والأصح خلافه والله أعلم .

                                      وأما اليمنى فيضعها على طرف الركبة اليمنى ويقبض خنصرها وبنصرها ويرسل المسبحة ، وفيما يفعل بالإبهام والوسطى الأقوال الثلاثة التي حكاها المصنف ، وهي مشهورة في كتب الأصحاب ، وأنكروا على إمام الحرمين [ ص: 434 ] والغزالي حيث حكياها أوجها ، وهي أقوال مشهورة :

                                      ( أحدها ) يقبض الوسطى مع الخنصر والبنصر ويرسل الإبهام مع المسبحة ، وهذا نصه في الإملاء ( والثاني ) يحلق الإبهام والوسطى ، وفي كيفية التحليق وجهان حكاهما البغوي وآخرون . قالوا ( أصحهما ) يحلقهما برأسهما ، وبهذا قطع المحاملي في كتابيه ( والثاني ) يضع أنملة الوسطى بين عقدتي الإبهام ( والقول الثالث ) وهو الأصح أنه يقبض الوسطى والإبهام أيضا ، وفي كيفية قبض الإبهام على هذا وجهان أصحهما يضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين ( والثاني ) يضعها على حرف أصبعه الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين .

                                      قال أصحابنا : وكيف فعل من هذه الهيئات فقد أتى بالسنة ، وإنما الخلاف في الأفضل . قال أصحابنا : وعلى الأقوال والأوجه كلها يسن أن يشير بمسبحة يمناه فيرفعها إذا بلغ الهمزة من قوله لا إله إلا الله ، ونص الشافعي استحباب الإشارة للأحاديث السابقة . قال أصحابنا : ولا يشير بها إلا مرة واحدة . وحكى الرافعي وجها أنه يشير بها في جميع التشهد وهو ضعيف ، وهل يحركها عند الرفع بالإشارة ؟ فيه أوجه ( الصحيح ) الذي قطع به الجمهور أنه لا يحركها ، فلو حركها كان مكروها ولا تبطل صلاته ; لأنه عمل قليل ( والثاني ) يحرم تحريكها ، فإن حركها بطلت صلاته ، حكاه عن أبي علي بن أبي هريرة وهو شاذ ضعيف ( والثالث ) يستحب تحريكها ، حكاه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وآخرون . وقد يحتج لهذا بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه { أنه وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر وضع اليدين في التشهد قال ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها } رواه البيهقي بإسناد صحيح قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها ، فيكون موافقا لرواية ابن الزبير ، وذكر بإسناده الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا لا يحركها } رواه أبو داود بإسناد صحيح وأما الحديث المروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 435 ] { تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان } فليس بصحيح . قال البيهقي تفرد به الواقدي وهو ضعيف قال العلماء : الحكمة في وضع اليدين على الفخذين في التشهد أن يمنعهما من العبث .

                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالإشارة المسبحة : .

                                      ( إحداها ) أن تكون إشارته بها إلى جهة القبلة ، واستدل له البيهقي بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( الثانية ) ينوي بالإشارة الإخلاص والتوحيد ، ذكره المزني في مختصره وسائر الأصحاب ، واستدل له البيهقي بحديث فيه رجل مجهول عن الصحابي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بها للتوحيد } عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هو الإخلاص ، وعن مجاهد قال " مقمعة الشيطان " ( الثالثة ) يكره أن يشير بالسبابتين من اليدين ; لأن سنة اليسرى أن تستمر مبسوطة ( الرابعة ) لو كانت اليمنى مقطوعة سقطت هذه السنة فلا يشير بغيرها ; لأنه يلزم ترك السنة في غيرها ، وممن صرح بالمسألة المتولي وهو نظير من ترك الرمل في الثلاثة لا يتداركه في الأربعة ; لأن سنتها ترك الرمل ، وقد سبقت له نظائر ( الخامسة ) أن لا يجاوز بصره إشارته ، واحتج له البيهقي وغيره بحديث عبد الله بن الزبير { أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى وأشار بأصبعه ولا يجاوز إشارته } رواه أبو داود بإسناد صحيح والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية