الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2364 ) مسألة : قال : ( ولا يدهن بما فيه طيب ، وما لا طيب فيه ) أما المطيب من الأدهان ، كدهن الورد والبنفسج والزنبق والخيري واللينوفر ، فليس في تحريم الادهان به خلاف في المذهب . وهو قول الأوزاعي . وكره مالك ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، الادهان بدهن البنفسج .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : ليس بطيب . ولنا ، أنه يتخذ للطيب ، وتقصد رائحته ، فكان طيبا ، كماء الورد . فأما ما لا طيب فيه ، كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج ، فنقل الأثرم ، قال : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يدهن بالزيت والشيرج ؟ فقال : نعم ، يدهن به إذا احتاج إليه . ويتداوى المحرم بما يأكل . قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم ، على أن للمحرم أن يدهن بدنه بالشحم والزيت والسمن .

                                                                                                                                            ونقل الأثرم جواز ذلك عن ابن عباس ، وأبي ذر ، والأسود بن يزيد ، وعطاء ، والضحاك ، وغيرهم . ونقل أبو داود ، عن أحمد ، أنه قال : الزيت الذي يؤكل لا يدهن المحرم به رأسه . فظاهر هذا ، أنه لا يدهن رأسه بشيء من الأدهان . وهو قول عطاء ، ومالك ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لأنه يزيل الشعث ، ويسكن الشعر .

                                                                                                                                            فأما دهن سائر البدن ، فلا نعلم عن أحمد فيه منعا . وقد ذكرنا إجماع أهل العلم على إباحته في اليدين ، وإنما الكراهة في الرأس خاصة ; لأنه محل الشعر .

                                                                                                                                            وقال القاضي : في إباحته في جميع البدن روايتان ; فإن فعله فلا فدية فيه ، في ظاهر كلام أحمد ، سواء دهن رأسه أو غيره ، إلا أن يكون [ ص: 152 ] مطيبا .

                                                                                                                                            وقد روي عن ابن عمر أنه صدع وهو محرم ، فقالوا : ألا ندهنك بالسمن ؟ قال : لا . قالوا : أليس تأكله ؟ قال : ليس أكله كالادهان به . وعن مجاهد ، قال : إن تداوى به فعليه الكفارة .

                                                                                                                                            وقال الذين منعوا من دهن الرأس : فيه الفدية ; لأنه مزيل للشعث ، أشبه ما لو كان مطيبا . ولنا ، أن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ، ولا دليل فيه من نص ولا إجماع ، ولا يصح قياسه على الطيب ، فإن الطيب يوجب الفدية ، وإن لم يزل شعثا ، ويستوي فيه الرأس وغيره ، والدهن بخلافه ، ولأنه مائع لا تجب الفدية باستعماله في اليدين ، فلم تجب باستعماله في الرأس ، كالماء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية