الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ( 140 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذب ، العادلون به الأوثان والأصنام ، الذين زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم ، وتحريم [ ما أنعمت به ] عليهم من أموالهم ، فقتلوا طاعة لها أولادهم ، وحرموا ما أحل الله لهم وجعله لهم رزقا من أنعامهم " سفها " ، منهم . يقول : فعلوا ما فعلوا من ذلك جهالة منهم بما لهم وعليهم ، ونقص عقول ، وضعف أحلام منهم ، وقلة فهم بعاجل ضره وآجل مكروهه ، من عظيم عقاب الله عليه لهم ( افتراء على الله ) ، يقول : تكذبا على الله وتخرصا عليه الباطل ( قد ضلوا ) ، يقول : قد تركوا محجة الحق في فعلهم ذلك ، وزالوا عن سواء السبيل ( وما كانوا مهتدين ) ، [ ص: 154 ] يقول : ولم يكن فاعلو ذلك على هدى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك ، ولا كانوا مهتدين للصواب فيها ، ولا موفقين له .

ونزلت هذه الآية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الآيات من قوله : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) الذين كانوا يبحرون البحائر ، ويسيبون السوائب ، ويئدون البنات ، كما : -

13950 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة ، قوله : ( الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ) ، قال : نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومضر ، كان الرجل يشترط على امرأته أن تستحيي جارية وتئد أخرى . فإذا كانت الجارية التي تئد ، غدا الرجل أو راح من عند امرأته ، وقال لها : " أنت علي كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها " ، فتخد لها في الأرض خدا ، وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها ، ثم يتداولنها ، حتى إذا أبصرته راجعا دستها في حفرتها ، ثم سوت عليها التراب .

13951 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم ذكر ما صنعوا في أولادهم وأموالهم فقال : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله ) .

13952 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ) ، فقال : هذا صنيع أهل الجاهلية . [ ص: 155 ] كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ، ويغذو كلبه وقوله : ( وحرموا ما رزقهم الله ) ، الآية ، وهم أهل الجاهلية . جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا ، تحكما من الشياطين في أموالهم .

13953 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب ، فاقرأ ما بعد المائة من سورة الأنعام قوله : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ) ، الآية .

وكان أبو رزين يتأول قوله : ( قد ضلوا ) ، أنه معني به : قد ضلوا قبل هؤلاء الأفعال من قتل الأولاد ، وتحريم الرزق الذي رزقهم الله بأمور غير ذلك .

13954 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبى رزين في قوله : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم ) ، إلى قوله : ( قد ضلوا ) ، قال : قد ضلوا قبل ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية