الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 487 ] الآية الثالثة عشرة

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون } .

                                                                                                                                                                                                              فيها مسألتان :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : يروى أنها قالت : إن كان نبيا لم يقبل الهدية ، وإن كان ملكا قبلها .

                                                                                                                                                                                                              وفي صفة النبي أنه يقبل الهدية ، ولا يقبل الصدقة . وكذلك كان سليمان ، وجميع الأنبياء يقبلون الهدية .

                                                                                                                                                                                                              وإنما جعلت بلقيس قبول الهدية أو ردها علامة على ما في نفسها ; لأنه قال لها في كتابه : { ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين } . وهذا لا تقبل فيه فدية ، ولا تؤخذ عنه هدية .

                                                                                                                                                                                                              وليس هذا من الباب الذي تقرر في الشريعة من قبول الهدية بسبيل ; وإنما هي رشوة ، وبيع الحق بالمال هو الرشوة التي لا تحل .

                                                                                                                                                                                                              وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل فإنها جائزة من كل واحد ، وعلى كل حال .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية :

                                                                                                                                                                                                              وهذا ما لم تكن من مشرك ; فإن كانت من مشرك ، ففي الحديث : { نهيت عن زبد المشركين } .

                                                                                                                                                                                                              وفي حديث آخر : { لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من ثقفي أو دوسي } .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح ما ثبت عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها } . [ ص: 488 ] ومن حديث أبي هريرة : { لو دعيت إلى كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت } .

                                                                                                                                                                                                              وقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الصيد : هل معكم من لحمه شيء ؟ قلت : نعم . فناولته العضد } .

                                                                                                                                                                                                              { وقد استسقى في دار أنس فحلبت له شاة وشيب وشربه } .

                                                                                                                                                                                                              { وأهدى أبو طلحة له ورك أرنب وفخذيها فقبله } .

                                                                                                                                                                                                              { وأهدت أم حفيد إليه أقطا وسمنا وضبا ، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن ، وترك الضب } .

                                                                                                                                                                                                              وقال في حديث بريرة : { هو عليها صدقة ولنا هدية } . وكان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية