الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 515 ] وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون

                                                                                                                                                                                                قالت قريش ، وقيل : إن القائل الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف : نحن نعلم أنك على الحق ، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك -وإنما نحن أكلة رأس ، أي : قليلون -أن يتخطفونا من أرضنا ، فألقمهم الله الحجر . بأنه مكن لهم في الحرم الذي آمنه بحرمة البيت وآمن قطانه بحرمته ، وكانت العرب في الجاهلية حولهم يتغاورون ويتناحرون ، وهم آمنون في حرمهم لا يخافون ، وبحرمة البيت قارون بواد غير ذي زرع ، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل أوب ، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها وهم كفرة عبدة أصنام فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخوف والتخطف ، ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام . وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة ، وإلى الحرم مجاز يجبى إليه تجلب وتجمع . وقرئ : بالياء والتاء . وقرئ : "تجنى " ، بالنون ، من الجني . وتعديته بإلى كقوله : يجنى إلي فيه ، ويجنى إلى الخافة . وثمرات : بضمتين وبضمة وسكون . ومعنى الكلية : الكثرة كقوله : وأوتيت من كل شيء [النمل : 23 ] ، ولكن أكثرهم لا يعلمون متعلق بقوله : من لدنا أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولا يفطنون له ، ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن من عنده ، ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به وخلعوا أنداده . فإن قلت : بم انتصب رزقا ؟ قلت : إن جعلته مصدرا جاز أن ينتصب بمعنى ما قبله ؛ لأن معنى يجبى إليه ثمرات كل شيء ويرزق ثمرات كل شيء : واحد ، وأن يكون مفعولا له . وإن جعلته بمعنى : مرزوق ، كان حالا من الثمرات لتخصصها بالإضافة ، كما تنتصب عن النكرة المتخصصة بالصفة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية