الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [88-89] الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونـزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون أي : يضاعف لهم العذاب كما ضاعفوا كفرهم بصدهم غيرهم عن الإيمان ، كقوله تعالى : وهم ينهون عنه وينأون عنه وفي الآية دليل على تفاوت الكفار في عذابهم ، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم . كما قال تعالى : لكل ضعف ولكن لا تعلمون

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وهو نبيهم : وجئنا بك شهيدا على هؤلاء أي : اذكر ذلك اليوم ، وما منحك الله فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع . وما يلحق الكافرين فيه من تمني كونهم ترابا ، لهول المطلع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر ذلك في آية النساء في قوله تعالى : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول [ ص: 3849 ] لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا وقوله تعالى : ونـزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين مستأنف ، أو حال بتقدير ( قد ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الرازي : وجه تعلق هذا الكلام بما قبله ، أنه تعالى لما قال : وجئنا بك شهيدا على هؤلاء بين أنه أزاح علتهم فيما كلفوا . فلا حجة لهم ولا معذرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن كثير في وجه ذلك : إن المراد ، والله أعلم ، إن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب الذي أنزله عليك ، سائلك عن ذلك يوم القيامة : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب وقال تعالى : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد أي : إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه ومعيدك يوم القيامة وسائلك عن أداء ما فرض عليك . هذا أحد الأقوال ، وهو متجه حسن . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      و ( التبيان ) من المصادر التي بنيت على هذه الصيغة ؛ لتكثير الفعل والمبالغة فيه . أي : تبيينا لكل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام ، وما الناس محتاجون إليه في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم : وهدى أي : هداية لمن استسلم وانقاد لسلامة فطرته إلى كماله : ورحمة أي : له بتبليغه إلى ذلك الكمال بالتربية والإمداد ، ونجاته من العذاب ، وبشارة له بالسعادة الأبدية . وقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3850 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية