الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الإجارات

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال قائل ليس كراء البيوت ، ولا الأرضين ، ولا الظهر يلازم ، ولا جائز وذلك أنه تمليك والتمليك بيع ولما رأينا البيوع تقع على أعيان حاضرة ترى وأعيان غائبة موصوفة مضمونة ، والكراء ليس بعين حاضر ، ولا غائب يرى أبدا ورأينا من أجازهما ، قال إذا انهدم المنزل ، أو هلك العبد انتقض الكراء والإجارة فيهما ، وإنما التمليك ما انقطع ملك صاحبه عنه إلى من ملكه إياه ، وهو إذا ملك مستأجره منفعته فالإجارة ليست هكذا ملك العبد لمالكه ، ومنفعته لمستأجره إلى المدة التي تشترط وخدمة العبد مجهولة أيضا مختلفة بقدر نشاطه وبذله وكسله وضعفه [ ص: 26 ] وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهي عندنا بيع والبيوع ما وصفنا ، ومن أجازها ، فقد يحكم فيها بحكم البيع ; لأنها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها ، فإن قال أشبهها بالبيع فليحكم لها بحكمه ، وإن قال هي بيع ، فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع .

( قال الشافعي ) : وهذا القول جهل ممن قاله والإجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها ، وهذا كله جائز قال الله تبارك وتعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فأجاز الإجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته ، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت الإجارة عليه ، وإذا جازت عليه جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه ، وقد ذكر الله عز وجل الإجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه . قال الله عز وجل : { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } الآية .

( قال الشافعي ) قد ذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع امرأة ، فدل على تجويز الإجارة على أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره ، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال ، وقد قيل : استأجره على أن يرعى له والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجارتها وعوام فقهاء الأمصار ( أخبرنا ) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة من قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض فقال : أبالذهب والورق ؟ قال أما بالذهب والورق فلا بأس به } .

( قال الشافعي ) فرافع سمع النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بمعنى ما سمع ، وإنما حكى رافع النهي عن كرائها بالثلث والربع ، وكذلك كانت تكرى ، وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا ; لأنه لا يعلم أن الأرض تكرى بالذهب والورق ، وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها ( أخبرنا ) مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس به ( أخبرنا ) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به ، أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله ، أخبرنا مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه : فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند موته فأمرنا بقضاء شيء بقي عليه من كرائها من ذهب ، أو ورق

التالي السابق


الخدمات العلمية