الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي ولد سنة خمسين وأربعمائة وتفقه على إمام الحرمين ، وبرع في علوم كثيرة ، وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة ، فكان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه ، وساد في شبيبته حتى إنه درس بالنظامية ببغداد في سنة أربع وثمانين وله أربع وثلاثون سنة ، فحضر عنده رءوس العلماء ، وكان ممن حضر عنده ابن عقيل وأبو الخطاب من رءوس الحنابلة ، فتعجبوا من فصاحته واطلاعه . قال ابن الجوزي : وكتبوا كلامه في مصنفاتهم ، ثم إنه خرج عن الدنيا بالكلية ، وأقبل [ ص: 214 ] على أعمال الآخرة ، فكان يرتزق من النسخ ، ورحل إلى الشام فأقام بها بدمشق وبيت المقدس مدة ، وصنف في هذه المدة كتابه " إحياء علوم الدين " وهو كتاب عجيب ، ويشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات ، وممزوج بأشياء لطيفة من التصوف وأعمال القلوب ، لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب ومنكرات ، ومنها ما هو موضوع ، كما يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام ، فالكتاب الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمرا من غيره ، وقد شنع عليه أبو الفرج بن الجوزي ثم ابن الصلاح في ذلك تشنيعا كثيرا ، وأراد المازري أن يحرق كتابه " إحياء علوم الدين " وكذلك غيره من المغاربة ، وقالوا : هذا كتاب إحياء علوم دينه ، وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله ، كما قد حكيت كلامه في ترجمته من طبقات الشافعية ، وقد زيفابن سكر مواضع إحياء علوم الدين ، وبين زيفها في مصنف مفيد ، وقد كان الغزالي يقول : أنا مزجى البضاعة في الحديث ، ويقال : إنه مال في آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفظ " للصحيحين " وقد صنف ابن الجوزي كتابا على الإحياء وسماه ، " إعلام الأحياء بأغاليط الإحياء " . قال ابن الجوزي : ثم ألزمه بعض الوزراء بالخروج إلى نيسابور فدرس بنظاميتها ثم [ ص: 215 ] عاد إلى بلده طوس ، وابتنى بها رباطا واتخذ دارا حسنة ، وغرس فيها بستانا ، أنيقا ، وأقبل على تلاوة القرآن ، وحفظ الأحاديث الصحاح ، وكانت وفاته في يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بطوس ؛ رحمه الله تعالى ، وقد سأله بعض أصحابه وهو في السياق ، فقال : أوصني فقال : عليك بالإخلاص فلم يزل يكررها حتى مات رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية