الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والكسب : عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة ، ولذلك لم يجز وصف الباري تعالى بذلك ، والمقصود منه ترغيب العاصي في الاستغفار ، كأنه تعالى يقول : الذنب الذي أتيت به ما عادت مضرته إلي ، فإنني منزه عن النفع والضر ، ولا تيأس من قبول التوبة والاستغفار : ( وكان الله عليما ) بما في قلبه عند إقدامه على التوبة ( حكيما ) تقتضي حكمته ورحمته أن يتجاوز عن التائب .

                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثالث : قوله تعالى : ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وذكروا في الخطيئة والإثم وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الخطيئة هي الصغيرة ، والإثم هو الكبيرة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : الخطيئة هي الذنب القاصر على فاعلها ، والإثم هو الذنب المتعدي إلى الغير كالظلم والقتل .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : الخطيئة ما لا ينبغي فعله سواء كان بالعمد أو بالخطأ ، والإثم ما يحصل بسبب العمد ، والدليل عليه ما قبل هذه الآية وهو قوله : ( ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه ) . فبين أن الإثم ما يكون سببا لاستحقاق العقوبة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله ( ثم يرم به بريئا ) فالضمير في " به " إلى ماذا يعود ؟ فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ثم يرم بأحد هذين المذكورين .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون عائدا إلى الإثم وحده ؛ لأنه هو الأقرب ، كما عاد إلى التجارة في قوله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) [ الجمعة : 11 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن يكون عائدا إلى الكسب ، والتقدير : يرم بكسبه بريئا ، فدل يكسب على الكسب .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن يكون الضمير راجعا إلى معنى الخطيئة ، فكأنه قال : ومن يكسب ذنبا ثم يرم به بريئا .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( فقد احتمل بهتانا ) فالبهتان : أن ترمي أخاك بأمر منكر وهو بريء منه .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن صاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم ، ومعاقب في الآخرة أشد العقاب ، فقوله : ( فقد احتمل بهتانا ) إشارة إلى ما يلحقه من الذم العظيم في الدنيا ، وقوله : ( وإثما مبينا ) إشارة إلى ما يلحقه من العقاب العظيم في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية