الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله عز وجل على قوم فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو حينئذ يشير إلى رباعيته ، وقال : اشتد غضب الله عز وجل على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله .

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث العاشر عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد غضب الله عز وجل على قوم فعلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو حينئذ يشير إلى رباعيته ، وقال اشتد غضب الله عز وجل على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله . (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) اتفق عليه الشيخان من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ، والإشارة بذلك إلى ما اتفقا عليه أيضا من حديث سهل بن سعد أنه سئل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وكانت فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسكب عليها بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا فألصقته بالدم فاستمسك ، وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في رأسه فجعل يسلت الدم عنه ، ويقول كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء

                                                            قال عبد الملك بن هشام [ ص: 212 ] وذكرني ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في وجهه وأن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته ووقع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون ، وهم لا يعلمون فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم من وجهه ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مص دمي لم تمسه النار ، وروى عن عيسى بن طلحة عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت شفته ثم نزع الأخرى فسقطت شفته الأخرى فكان ساقط الشفتين وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن ابن قمئة لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد قال خذها ، وأنا ابن قمئة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقمأك الله عز وجل فانصرف ابن قمئة من ذلك اليوم إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل فأخذ يعترضها فشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع .

                                                            (الثانية) (الرباعية) بفتح الراء والباء الموحدة وتخفيفها وكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة من تحت وتخفيفها هي السن التي تلي الثنية من كل جانب ، وللإنسان أربع ثنايا ، وهي الواقعة في مقدم الفم ثنتان من أعلى ، وثنتان من أسفل وتليها الرباعيات أربع أيضا ثنتان من أعلى ، وثنتان من أسفل وقد تبين مما تقدم أن الذي كسر من رباعياته الرباعية اليمنى السفلى .

                                                            (الثالثة) ، وفيه أن وقوع الأسقام ، والآلام للأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لينالوا جزيل الأجر ، ولتعرف أممهم وغيرهم ما أصابهم ، ويتأسوا به قال القاضي عياض ، وليعلم أنهم من البشر تصيبهم محن الدنيا ، ويطرأ على أجسامهم ما يطرأ على أجسام البشر فيستيقنوا أنهم مخلوقون ، ولا يفتتن بما ظهر على أيديهم من المعجزات ، ولا تلبس [ ص: 213 ] الشيطان من أمرهم ما لبسه على النصارى ، وغيرهم .

                                                            (الرابعة) قوله (على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله) احترز بقوله في سبيل الله عمن يقتله حدا أو قصاصا لأن من يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله كان قاصدا قتله عليه الصلاة والسلام وقد اتفق ذلك لأبي بن خلف قصد يوم أحد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فاعترض له رجال من المؤمنين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه وطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحربته فوقع عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم فرجع إلى قومه ، وجعل يقول قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني فمات بسرف ، وهم قافلون به إلى مكة ، وحكي عنه أنه قال لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون .




                                                            الخدمات العلمية