الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة إلى الكعبة وفيها، ومن يشكل عليه أمر القبلة

                                                                                                                                                                                        الصلاة إلى الكعبة فرض; لقوله الله -عز وجل-: فول وجهك شطر المسجد الحرام [البقرة: 144] الآية.

                                                                                                                                                                                        والمصلي إلى الكعبة ثلاثة:

                                                                                                                                                                                        مشاهد لها، وغائب عنها وهو بمكة، وغائب عن مكة:

                                                                                                                                                                                        فإن كان مشاهدا لها كان عليه التوجه إليها، فإن انحرف عنها شيئا - لم تجزئه الصلاة.

                                                                                                                                                                                        وإن كان غائبا عنها وهو بمكة كان عليه التوجه إليها على وجه القطع، لا على وجه الاجتهاد; لأنه قادر على أن يصعد موضعا مشرفا هناك أو على أبي قبيس أو على غير ذلك; حتى يتحقق أنه إذا كان في بيته كان مصليا إليها.

                                                                                                                                                                                        وإن كان غائبا عن البلد كان فرضه الاجتهاد; أصاب عند الله -عز وجل- أو أخطأ، فإن صلى إلى موضع خارج عن الجهة التي يجتهد في القبلة إليها أو تطلب فيه متعمدا - لم يجزئه ، وأعاد الصلاة وإن ذهب الوقت.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الجاهل والناسي والمجتهد المخطئ ، فقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: تجزئه الصلاة ويعيد في الوقت. [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                                        وخالفه ابن حبيب في الجاهل خاصة وقال: لا تجزئه الصلاة ويعيد وإن ذهب الوقت; لأنه عنده عامد.

                                                                                                                                                                                        وخالف الشيخ أبو الحسن ابن القابسي في الناسي وقال: إن كان يعرف القبلة وصلى باجتهاد فقوله صحيح، وإن كان بغير اجتهاد لشيء عرض له، فلا يبعد أن يقال فيه: يعيد ما كان في الوقت.

                                                                                                                                                                                        وقال المغيرة وابن سحنون في المجتهد: يعيد وإن ذهب الوقت ، وقال ابن سحنون : هو بمنزلة الأسير يجتهد في صيام رمضان ثم يتبين له أنه صام شعبان، وكالمصلي في الغيم باجتهاد، ثم تبين له أنه صلى قبل الوقت.

                                                                                                                                                                                        وقد قيل: إن الفرق بينهما يعني بين الوقت والقبلة لأنه ينتقل في القبلة من تحر إلى تحر، وفي الوقت ينتقل إلى القطع، وهذا غير صحيح; لأن القبلة لا تتحرى عندنا فتطلب في المغرب ولا في الشمال ولا في مطلع الشمس في الصيف، ومن صلى إلى شيء من هذه الجهات كان مصليا إلى غير القبلة على القطع، فأشبه الوقت، وقد يحمل قول مالك في الإعادة في الوقت; مراعاة للخلاف، لقوله سبحانه: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [البقرة: 115] فقيل: نزلت في قوم صلوا في ليلة مظلمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم تبين أنهم صلوا إلى غير القبلة . وقد قيل غير ذلك، [ ص: 351 ] ولم يأت شيء من ذلك من طريق فيها صحة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية