الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون

                                                                                                                                                                                                الذين حق عليهم القول الشياطين أو أئمة الكفر ورؤوسه . ومعنى حق عليهم القول : وجب عليهم مقتضاه وثبت ، وهو قوله : لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين [هود : 119 ] ، "هؤلاء" مبتدأ ، و الذين أغوينا صفته ، والراجع إلى الموصول محذوف ، و "أغويناهم" الخبر . والكاف صفة مصدر محذوف ، تقديره : أغويناهم ، فغووا غيا مثل ما [ ص: 519 ] غوينا ، يعنون : أنا لم نغو إلا باختيارنا ، لا أن فوقنا مغوين أغرونا بقسر منهم وإلجاء . أو دعونا إلى الغي وسولوه لنا ، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم ؛ لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلا لا قسرا وإلجاء ، فلا فرق إذا بين غينا وغيهم . وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر ، فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل ، وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر ، وناهيك بذلك صارفا عن الكفر وداعيا إلى الإيمان . وهذا معنى ما حكاه الله عن الشيطان وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم والله تعالى قدم هذا المعنى أول شيء ، حيث قال لإبليس إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين . تبرأنا إليك منهم وما اختاروه من الكفر بأنفسهم ، هوى منهم للباطل ومقتا للحق ، لا بقوة منا على استكراههم ولا سلطان ما كانوا إيانا يعبدون إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم . وإخلاء الجملتين من العاطف ، لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية