الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث في حكم هذه العقوبة وهو أمران

                                                                                                                                                                        الأول : السقوط بالتوبة ، وقد سبق أن قاطع الطريق إذا هرب ، يطلب ويقام ما يستوجبه من حد أو تعزير ، فلو تاب قبل القدرة عليه ، سقط ما يختص بقطع الطريق من العقوبات على المذهب ، وقيل : قولان ، وإن تاب بعد القدرة ، لم يسقط على المذهب ، وقيل : قولان ، وهل تؤثر التوبة في إسقاط حد الزنى والسرقة والشرب في حق غير قاطع الطريق ، وفي حقه قبل القدرة وبعدها ؟ فيه قولان سبقا ، الأظهر : لا يسقط ، صححه الإمام والبغوي وغيرهما ، وهو منسوب إلى الجديد لإطلاق آية الزنى ، وقياسا على الكفارة ، ورجح جماعة من العراقيين السقوط .

                                                                                                                                                                        قلت : رجح الرافعي في " المحرر " منع السقوط ، وهو أقوى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 159 ] ثم ما يسقط بالتوبة في حق قاطع الطريق قبل القدرة يسقط بنفس التوبة ، وأما توبته بعد القدرة ، وتوبة الزاني والسارق فوجهان ، أحدهما : كذلك ، ويكون إظهار التوبة كإظهار الإسلام تحت السيف . والثاني : يشترط مع التوبة إصلاح العمل ليظهر صدقه فيها ، ونسب الإمام هذا الوجه إلى القاضي حسين ، والأول إلى سائر الأصحاب . والذي ذكره جماعة من العراقيين والبغوي والروياني هو ما نسبه إلى القاضي ، واحتجوا بظاهر القرآن ، قال الله تعالى في قطاع الطريق : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم )

                                                                                                                                                                        [ المائدة : 34 ] لم يذكر غير التوبة ، وقال في الزنى : ( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما )

                                                                                                                                                                        [ النساء : 16 ] ، وفي السرقة : ( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح )

                                                                                                                                                                        [ المائدة : 36 ] قال الإمام : معرفة إصلاح العمل بأن يمتحن سرا وعلنا ، فإن بدا الصلاح ، أسقطنا الحد عنه ، وإلا حكمنا بأنه لم يسقط ، قال الإمام : وهذا مشكل ؛ لأنه لا سبيل إلى حقيقته ، وإن خلي فكيف يعرف صلاحه ؟ ويشبه أن يقال تفريعا على هذا : إذا أظهر التوبة ، امتنعنا من إقامة الحد ، فإن لم يظهر ما يخالف الصلاح ، فذاك ، وإن ظهر ، أقمنا عليه الحد ، وقد ذكرنا في باب حد الزنى في موضع القولين في سقوط الحد بالتوبة طريقين ، أحدهما : تخصيصهما بمن تاب قبل الرفع إلى القاضي ، فإن تاب بعد الرفع ، لم يسقط قطعا . والثاني : طردهما في الحالين ، وقد يرجع هذا الخلاف إلى أن التوبة بمجردها تسقط الحد ، أم يعتبر الإصلاح ؟ إن اعتبرناه اشترط مضي زمن يظهر به الصدق ، فلا تكفي التوبة بعد الرفع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا تاب قاطع الطريق قبل القدرة ، فإن كان قد قتل ، سقط عنه انحتام القتل ، فللولي أن يقتص ، وله العفو هذا هو المذهب ، وفيه وجه شاذ يسقط القصاص ، فلا يبقى عليه شيء أصلا ، وحكي وجه [ ص: 160 ] أنه يسقط بالتوبة القصاص وحد القذف ؛ لأنهما يسقطان بالشبهة ، كحدود الله تعالى . ونقله ابن القطان في القذف قولا قديما ، وليس بشيء ، وإن كان قد قتل وأخذ المال ، سقط الصلب وانحتام القتل ، وبقي القصاص وضمان المال ، وفي القصاص ما ذكرنا ، وإن كان قد أخذ المال ، سقط قطع الرجل ، وكذا قطع اليد على المذهب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية