الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 191 ] ولما انقضى الدليل على أن قلوبهم منكرة استكبارا؛ وما يتعلق به؛ وختمه بما أحيا به القلوب بالإيمان؛ والعلم؛ بعد موتها بالكفر؛ والجهل؛ وكان المقصود الأعظم من القرآن تقرير أصول أربعة: الإلهيات؛ والنبوات؛ والمعاد؛ وإثبات القضاء والقدر؛ والفعل بالاختيار؛ وكان أجل هذه المقاصد الإلهيات؛ شرع في أدلة الوحدانية؛ والقدرة؛ والفعل بالاختيار؛ المستلزم للقدرة على البعث؛ على وجه غير المتقدم؛ ليعلم أن أدلة ذلك أكثر من أوراق الأشجار؛ وأجلى من ضياء النهار؛ فعطف على قوله: والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ؛ قوله - جامعا في الدليل بين العالم العلوي؛ والعالم السفلي -: والله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ أنـزل من السماء ؛ في الوقت الذي يريده؛ ماء ؛ بالمطر؛ والثلج؛ والبرد؛ فأحيا به الأرض ؛ الغبراء؛ ولما كانت عادته بذلك مستمرة؛ وكان السياق لإثبات دعائم الدين؛ وكان الإحياء بالماء لا يزال أثره قائما في زرع؛ أو شجر؛ في بعض الأراضي؛ أعرى الظرف من الجار؛ لأن المعنى به أبلغ؛ فقال: بعد موتها ؛ باليبوسة؛ والجدب؛ وتفتت النبات أصلا؛ ورأسا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ما أقامه على ذلك في هذه السورة من الأدلة قد صار إلى [ ص: 192 ] حد لا يحتاج معه السامع العاقل إلى أكثر من السماع؛ قال (تعالى): إن في ذلك ؛ الماء المؤثر؛ بتدبيره؛ هذا الأثر العظيم؛ لآية لقوم يسمعون ؛ هذا التنبيه في هذا الأسلوب المتضمن لما مضى من التشبيه؛ فيعلمون أنه ينزل من أمره ما يريده؛ فيحيي به أجساد العباد؛ بعد موتها؛ كما أحيا أجساد النبات بالماء؛ بعد موتها؛ وأرواح الأشباح بالعلم؛ بعد موتها؛ والحاصل أن هذه الأدلة لا تحتاج مع الحس إلى كبير عمل بالقلب؛ غير الانقياد إلى الحق؛ وترك العناد والجهل؛ فهو من سماع الأذن؛ وما ينشأ عنه من الإجابة؛ استعمالا للشيء في حقيقته ومجازه؛ ولعله لم يختمها بـ "يبصرون"؛ لئلا يظن أن ذلك من البصيرة؛ فيظن أنه يحتاج فيها إلى كبير فكر؛ فيفوت ما أريد من الإشارة إلى شدة الوضوح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية