الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 168 ] باب nindex.php?page=treesubj&link=10046حد شارب الخمر
nindex.php?page=treesubj&link=25857_17190شرب الخمر من كبائر المحرمات ، قال الأصحاب : عصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبد حرام بالإجماع ، وسواء قليله وكثيره ، ويفسق شاربه ويلزمه الحد ، ومن استحله كفر ، وعصير الرطب النيء ، كعصير العنب النيء ، كذا ذكره البغوي وطائفة ، وحكاه الروياني عن بعضهم واستغربه ، واختار كونه كسائر الأشربة ، أما سائر nindex.php?page=treesubj&link=10091الأشربة المسكرة ، فهي في التحريم ووجوب الحد عندنا كعصير العنب ، لكن لا يكفر مستحلها ؛ لاختلاف العلماء فيها ، وذكر الأصحاب خلافا في أن اسم الخمر هل يتناولها ؟ والأكثرون على المنع ، nindex.php?page=treesubj&link=17200_17212وكل شراب حكمنا بتحريمه ، فهو نجس ، وبيعه باطل ، وما لا يسكر من الأنبذة لا يحرم ، لكن يكره nindex.php?page=treesubj&link=17244شرب المنصف والخليطين للحديث الناهي عنهما ، والمنصف : ما عمل من تمر ورطب ، وشراب الخليطين ما عمل من بسر ورطب ، وقيل : ما عمل من تمر وزبيب ، وسبب النهي أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه ، فيظن الشارب أنه ليس بمسكر ويكون مسكرا ، وهذا كالنهي عن nindex.php?page=treesubj&link=17252_17253_17254الانتباذ في الأوعية التي كانوا ينبذون فيها ، كالدباء وهو القرع ، والحنتم وهو جرار خضر ، والنقير وهو جذع ينقر ويتخذ منه إناء ، والمزفت وهو المطلي بالزفت وهو القار ، ويقال له : المقير ؛ لأن هذه الأوعية يشتد فيها ولا يعلم به بخلاف الأسقية من الأدم .
قلت : والنهي عن هذه الأوعية منسوخ ، ثبت نسخه من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم . والله أعلم .
وفي الباب طرفان : الأول : في nindex.php?page=treesubj&link=10064الشراب الموجب للحد ، فكل ملتزم لتحريم المشروب شرب ما يسكر جنسه مختارا بلا ضرورة ولا عذر ، لزمه الحد ، فهذه خمسة قيود . [ ص: 169 ] الأول : nindex.php?page=treesubj&link=10066الملتزم ، فلا حد على صبي ومجنون وحربي ، والمذهب أن nindex.php?page=treesubj&link=10065الذمي لا يحد بالخمر ، وأن الحنفي يحد بشرب النبيذ وإن كان لا يعتقد تحريمه ، ويأتي في الشهادة nindex.php?page=treesubj&link=17240إن شرب الحنفي النبيذ هل يفسق به وترد شهادته ؟ إن شاء الله تعالى .
الثاني : قولنا : nindex.php?page=treesubj&link=17221شرب ما يسكر جنسه يخرج بلفظ الشرب ما لو احتقن ، أو استعط بالخمر ، فلا حد ؛ لأن الحد للزجر ، ولا حاجة فيه إلى الزجر ، وقيل : يحد ، وقيل : يحد في السعوط دون الحقنة ، والأول أصح ، ويتعلق بكون المشروب مسكرا في جنسه صور : منها : أنه يدخل فيه النبيذ ودردي الخمر والثخين منها إذا أكله بخبز ، أو ثرد فيها وأكل الثريد ، أو طبخ بها ، وأكل المرق ، فيحد بكل ذلك ، ولا يحد بأكل اللحم المطبوخ بها ، ولا بأكل خبز أو معجون عجن بها على الصحيح فيهما ، وعلى هذا قال الإمام : من nindex.php?page=treesubj&link=10074شرب كوز ماء فيه قطرات خمر والماء غالب ، لم يحد لاستهلاك الخمر .
الثالث : nindex.php?page=treesubj&link=10067كون الشارب مختارا ، فلا حد على من أوجر قهرا ، والمذهب أنه لا يحد من أكره حتى شرب ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج فيه وجهين .
الرابع : nindex.php?page=treesubj&link=10067أن لا يكون مضطرا ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=17192غص بلقمة ، ولم يجد ما يسيغها غير الخمر ، وجب عليه إساغتها بالخمر ولا حد ، وحكى إبراهيم المروذي في تحريم الإساغة وجهين لعموم النهي ، والمذهب الأول ، وأما nindex.php?page=treesubj&link=17193_17211شربها للتداوي والعطش والجوع إذا لم يجد غيرها ففيه أوجه ، أصحها والمنصوص وقول الأكثرين : لا يجوز لعموم النهي ، ولأن بعضها يدعو إلى بعض . والثاني : يجوز كما يجوز شرب البول والدم لذلك ، وكما يتداوى بالنجاسات ، كلحم الحية والسرطان والمعجون فيه خمر . والثالث : يجوز للتداوي دون العطش والجوع ، ورجحه الروياني . والرابع : عكسه ؛ لأن دفع العطش موثوق به في الحال ، وهذا هو الصحيح عند الإمام ، ونقل اتفاق الأصحاب على تحريم التداوي ، قال : وبلغنا عن [ ص: 170 ] آحاد من المتأخرين القول بجوازه من غير تدوين في كتاب . والخامس : يجوز للعطش دون الجوع ؛ لأنها تحرق كبد الجائع ، ثم الخلاف في التداوي مخصوص بالقليل الذي لا يسكر ، ويشترط خبر طبيب مسلم ، أو معرفة المتداوي إن عرف ، ويشترط أن لا يجد ما يقوم مقامها ، ويعتبر هذان الشرطان في تناول سائر الأعيان النجسة ، ولو قال الطبيب : يتعجل بها الشفاء ، فالأصح أنه كرجاء الشفاء ، ثم قال القاضي حسين nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي : لا حد على المتداوي وإن حكمنا بالتحريم لشبهة الخلاف ، وقال الإمام : أطلق الأئمة المعتبرون أقوالهم في طرقهم أن التداوي حرام موجب للحد ، وإذا جوزنا الشرب للعطش ، لزمه الشرب ، كتناول الميتة للمضطر ولا حد ، وإذا لم نجوزه ، ففي الحد الخلاف كالتداوي .
الخامس : nindex.php?page=treesubj&link=10076أن لا يكون له عذر في الشرب ، فلو nindex.php?page=treesubj&link=28213شرب قريب عهد بالإسلام وادعى جهل التحريم ، لم يحد ، فلو قال : علمت التحريم وجهلت الحد ، وجب الحد ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=10074شرب خمرا وهو يظن أنه يشرب غير مسكر في جنسه ، فلا حد ، وإن سكر منه لم يلزمه قضاء الصلوات ، كالمغمى عليه ، وإن علم أنه من جنس المسكر ، وظن أن ذلك القدر لا يسكر ، حد ، ولزمه قضاء الصلوات الفائتة في السكر .