الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 325 ] باب التدبير وهو تعليق العتق بالموت ، ويعتبر من الثلث ، ويصح من كل من تصح وصيته ، وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت ، ولفظ التدبير وما تصرف منها ، ويصح مطلقا ومقيدا بأن يقول : إن مت فمن مرضي هذا أو عامي هذا ، فأنت حر أو مدبر ، وإن قال : متى شئت فأنت مدبر ، فمتى شاء في حياة السيد صار مدبرا إن قال : إن شئت ، فأنت مدبر ، فقياس المذهب أنه كذلك ، وقال أبو الخطاب : إن شاء في المجلس ، صار مدبرا ، وإلا فلا ، وإذا قال : قد رجعت عن تدبيري ، أو قد أبطلته لم يبطل ; لأنه تعليق للعتق بصفة ، وعنه : يبطل كالوصية ، وله بيع المدبر وهبته ، وإن عاد إليه عاد التدبير ، وعنه : لا يباع إلا في الدين ، وعنه : لا تباع الأمة خاصة ، وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها ، فهو بمنزلتها ، ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير ، وله وطء مدبرته ، فإن أولدها بطل تدبيرها ، وإذا دبر المكاتب ، أو كاتب المدبر ، جاز ، فإن أدى عتق ، وإن مات سيده قبل الأداء عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابته ، وإلا عتق منه بقدر الثلث ، وسقط من الكتابة بقدر ما أعتق ، وهو على الكتابة فيما بقي ، وإذا دبر شريكا له في عبد ، لم يسر إلى نصيب شريكه ، فإن أعتق شريكه ، سرى إلى المدبر ، وغرم قيمته لسيده ، ويحتمل أن يسري في الأول دون الثاني وإذا أسلم مدبر الكافر ، لم يقر في يده ، وترك في يد عدل ينفق عليه من كسبه ، وما فضل لسيده ، وإن أعوز ، فعليه تمامه إلا أن يرجع في التدبير ، ونقول بصحة الرجوع ، فيجبر على بيعه ، ومن أنكر لم يحكم عليه إلا بشاهدين ، وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين أو بشاهد ويمين العبد ؛ على روايتين ، وإذا قتل المدبر سيده ، بطل تدبيره .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب

                                                                                                                          التدبير

                                                                                                                          سمي تدبيرا ; لأن الوفاة دبر الحياة ، يقال : دبره تدبيرا : إذا علق عتقه بموته ، يقال : أعتقه عن دبر ، أي بعد الموت ، وقال ابن عقيل : هو مشتق من إدباره من الدنيا ، ولا يستعمل في كل شيء بعد الموت من وصية ووقف وغيره ، فهو لفظ يخص به العتق بعد الموت ، والأصل في حديث جابر أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر ، ولم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : من يشتريه مني ، فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه متفق عليه ، وقال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من دبر عبده أو أمته ، ولم يرجع عن ذلك حتى مات ، والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء الدين ، وإنفاذ وصاياه ، وكان السيد بالغا جائز التصرف : أنه يعتق .

                                                                                                                          ( وهو تعليق العتق بالموت ) هذا بيان لمعنى التدبير شرعا ، ولا تصح وصيته به ( ويعتبر من الثلث ) أي : إنما يعتق إذا خرج من ثلث المال ، في قول أكثر العلماء ، وروي عن ابن مسعود وغيره : أنه من رأس المال ، ونقله حنبل عن الإمام قياسا على أم الولد ، وجوابه : بأنه تبرع بعد الموت ، فكان من الثلث كالوصية ، وما نقله حنبل لا عمل عليه ، قال أبو بكر : هو قول قديم رجع عنه إلى ما قاله الجماعة ، فعلى هذا إذا لم يخرج منه وأجاز الورثة عتق جميعه ، وإلا [ ص: 326 ] عتق منه مقدار الثلث ، وهل يستسعى في قيمة باقيه ؛ على روايتين ، وعنه : في الصحة مطلقا .

                                                                                                                          فرع : إذا اجتمع العتق في المرض والتدبير ، قدم العتق ، وإن اجتمع هو والوصية بعتقه ، تساويا لوجودهما بعد الموت ، وقيل : يقدم التدبير لحصوله بلا مهلة .

                                                                                                                          ( ويصح من كل من تصح وصيته ) لأنه تبرع بالمال بعد الموت ، أشبه الوصية ، وقال الخرقي : إذا جاوز العشر وكان يعرفه ، والجارية إذا جاوزت التسع ، وجوابه : بأنه يؤمر بالصلاة ، والجارية بقول عائشة : إذا بلغت الجارية تسعا ، فهي امرأة ، ولأنه سن يمكن بلوغها فيه ، ويصح تدبير المحجور عليه بسفه ، ولا يصح من المجنون ، ويصح من الكافر ، ولو حربيا ومرتدا ، إن تبينا ملكه له ، فأسلم ، فإن مات مرتدا ، بطل في الأصح ( وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت ) كقوله : أنت حر أو عتيق أو معتق أو محرر بعد موتي ، فيصير بذلك مدبرا ، بغير خلاف نعلمه ( ولفظ التدبير وما تصرف منها ) غير أمر ومضارع ، فإذا قال : أنت مدبر ، أو دبرتك ، فإنه يصير مدبرا بمجرد اللفظ ، وإن لم ينوه ، وكنايات العتق المنجز تكون للتدبير إذا أضاف إليه ذكر الموت ( ويصح مطلقا ) أي : من غير شرط آخر ، نحو : إن مت ، فأنت حر أو مدبر ( ومقيدا ) لأنه تعليق للعتق على شرط ، فصح مطلقا ومقيدا ، كتعليق العتق بغير الموت ( بأن يقول : إن مت فمن مرضي هذا أو عامي هذا ) أو في بلدي هذا ( فأنت حر [ ص: 327 ] أو مدبر ) لأنه تقييد خاص ، وقد يكون غير خاص مثل أن يعلقه على صفة ، ك ( إن دخلت الدار ، فأنت حر ) ، أو إن قدم زيد أو شفى الله مريضي ، فأنت مدبر ، فهذا لا يصير مدبرا في الحال ; لأنه علق بشرط ، فإذا وجد صار مدبرا وعتق بموت سيده ، وإن لم يوجد في حياة السيد ، وجد بعد موته ، لم يعتق ; لأن إطلاق الشرط يقتضي وجوده في الحياة بدليل ما لو علق عليه عتقا منجزا .

                                                                                                                          فرعان ، الأول : إذا قال : إذا قرأت القرآن ، فأنت حر بعد موتي ، فقرأه جميعه ، صار مدبرا بخلاف قراءة بعضه ، فإن قال : إذا قرأت قرآنا ، فأنت حر بعد موتي ، فقرأ بعضه ، صار مدبرا ; لأنه في الأولى عرفه باللام المقتضية للاستغراق بخلاف الثانية .

                                                                                                                          الثاني : إذا قالا لعبدهما : إن متنا ، فأنت حر ، فهو تعليق للحرية بموتهما جميعا ، ذكره القاضي وغيره ، ولا يعتق بموت أحدهما شيء ، ولا ببيع وارثه حقه ، وقال أحمد ، واختاره المؤلف : إذا مات أحدهما ، فنصيبه حر ، فإن أراد أنه حر بعد آخرهما موتا ، فإن جاز تعليق الحرية على صفة بعد الموت ، عتق بعد موت الآخر منهما عليهما ، وإلا عتق نصيب الآخر منهما بالتدبير ، وفي سرايته إن احتمله ثلثه الروايتان .

                                                                                                                          ( وإن قال : متى شئت ، فأنت مدبر ، فمتى شاء في حياة السيد ، صار مدبرا ) بعتق بموته ; لأن المشيئة على التراخي ، فمتى وجدت المشيئة ، وجد الشرط ، كقوله : إذا شئت ، أو أي وقت شئت ، فإن مات السيد قبل المشيئة ، [ ص: 328 ] بطلت ، فإن قال : متى شئت بعد موتي أو أي وقت شئت بعد موتي ، فهو تعليق للعتق على صفة ، وقال القاضي : يصح ، فعليه يكون على التراخي وما كسبه قبل مشيئته ، فهو لورثة سيده ، بخلاف الموصى به ، فإن في كسبه قبل القبول وجهين ( وإن قال : إن شئت ، فأنت مدبر ، فقياس المذهب أنه كذلك ) أي : أنه على التراخي كمتى شئت ( وقال أبو الخطاب : إن شاء في المجلس ، صار مدبرا ، وإلا فلا ) لأن المشيئة كالاختيار ( وإذا قال : قد رجعت في تدبيري ، أو قد أبطلته ، لم يبطل ) في الصحيح من المذهب ( لأنه تعليق للعتق بصفة ) وكما لو قال : إن دخلت الدار ، فأنت حر ( وعنه : يبطل كالوصية ) لأنه جعل له نفسه بعد موته ، فكان ذلك وصية ، فجاز الرجوع فيها بالقول ، كما لو وصى له بعبد آخر ، فلا يصح رجوعه في حمل لم يوجد ، وإن رجع في حامل ، ففي حملها وجهان لا بعد وضعه ، والروايتان إذا لم يأت بصريح التعليق ، أو صريح الوصية ، قاله في الترغيب وغيره ، وعنه : لا يصح في الأمة ، وإن أنكره ، لم يرجع إن قلنا : تعليق وإلا فوجهان .

                                                                                                                          تنبيه : إذا قال : إذا أديت إلى ورثتي ألفا ، فأنت حر ، فقد رجع عن تدبيره ، قال ابن حمدان : كما لو رد الوصية ولم يقبلها ، وإن دبره كله ، ثم رجع في نصفه ، صح إذا قلنا بصحة الرجوع في جميعه ، فكان مطلقا ، فجعله مقيدا ، صار مقيدا إن قلنا بصحة الرجوع ، وإن كان مقيدا ، فأطلقه ، صح على كل حال ; لأنه زيادة ، فلا يمنع منه .

                                                                                                                          [ ص: 329 ] ( وله بيع المدبر وهبته ) نقله الجماعة عنه ; لأنه عتق معلق بصفة ، فلم يمنع من بيعه ، وظاهره مطلقا في الدين وغيره ، مع الحاجة وعدمها ، وإن لم يرض به ( وإن عاد إليه ) بعد البيع ( عاد التدبير ) لأنه معلق عتقه بصفة ، وبناه القاضي على أصل ، وهو أن التدبير هل هو تعليق للعتق بصفة أو وصية ؛ فعلى الأول يعود بخلاف الوصية ، وهذا رواية عن أحمد ( وعنه : لا يباع إلا في الدين ) لأن الدين يقدم على العتق المحقق في بعض المواضع ، فلأن يقدم على ما انعقد فيه سبب الحرية بطريق الأولى ، وعنه : لحاجة اختارها الخرقي ، وجزم بها في الكافي ; لأنه عليه السلام ، إنما باعه لحاجة صاحبه ( وعنه : لا تباع الأمة خاصة ) لأن في جواز بيعها إباحة لفرجها ، وتسليط مشتريها على وطئها ، مع وقوع الخلاف في بيعها وحلها بخلاف المدبر ، قال المؤلف : لا نعلم التفريق بينهما عن غير إمامنا ، والصحيح الأول ، قال الجوزجاني : صحت أحاديث بيع المدبر باستقامة الطرق ، والخبر إذا صح ، استغني به عن غيره ، ولأنه عتق بصفة ، فلم يمنع البيع ، كقوله : إن دخلت الدار ، فأنت حر ، وخبرهم ليس بصحيح ، وإنما هو عن ابن عمر ، ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الاستحباب ، ولا يصح قياسه على أم الولد ; لأن عتقها ثبت بغير اختيار سيدها ، وإذا لم يصح ، أو دبر الحمل ، ثم باع أمته ، فكاستثنائه في البيع ، قاله في الترغيب ، وفي الروضة : له بيع العبد في الدين ، وفي بيعها فيه روايتان ، ( وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها ، فهو بمنزلتها ) الولد الحادث بعد لا يخلو من حالين ، أحدهما : أن يكون موجودا حال تدبيرها ، ويعلم ذلك ، بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حينه ، فيدخل معها بغير خلاف [ ص: 330 ] نعلمه ، كعضو من أعضائها ، فإن بطل في الأم ، لم يبطل في ولدها ; لأنه ثبت أصلا .

                                                                                                                          الثاني : أن تحمل به بعد التدبير ، فهو يتبع أمه مطلقا ، في قول أكثر أهل العلم ، ونقل حنبل عنه : أن ولدها عبد إذا لم يشرط الولي ، فظاهره : أنه لا يتبعها ، ولا تعتق بموت سيدها ، ولأن عتقها معلق بصفة ، أشبه من علق عتقها بدخول الدار ، والأول أصح ; لقول عمر وابنه وجابر : إن ولدها بمنزلتها ، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة ، فكان كالإجماع ، ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها ، فيتبعها ولدها كأم الولد ، فعلى هذا إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص بها فقط ، فإن لم يتبع الثلث لهما جميعا ، أقرع بينهما ( ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير ) على المذهب ; لأنه لا يتبعها في العتق ولا في الاستيلاد ، ففي التدبير أولى ، وذكر أبو الخطاب ، أن حنبلا نقل عن عمر في الرجل يدبر الجارية ولها ولد ، قال : ولدها معها ، وحملها المؤلف على الولد بعد التدبير توفيقا بين كلاميه ، وعلم أن ولد المدبر لا يتبع أباه مطلقا على المذهب ; لأن الولد إنما يتبع أمه في الحرية والرق ، وعنه - وهي ظاهر المغني والشرح - : الجزم بها في ولده من أمته المأذون له في التسري بها يكون مدبرا ; لأنه ولده من أمته فتبعه كالحر ، وفي الرعاية : لا يكون ولد المدبر من أمته مثله في الأصح ، بل يتبع أمه ( وله وطء مدبرته ) روي عن ابن عمر وابن عباس كمملوكته ، فيدخل تحت قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم [ النساء 3 ] قال أحمد : لا أعلم أحدا كره ذلك غير الزهري ، وعنه : لا يجوز ، وطء بنت مدبرته ، وهو محمول على أنه وطئ أمها ( فإن [ ص: 331 ] أولدها بطل تدبيرها ) لأن الاستيلاد أقوى من التدبير ، فأبطله كالنكاح مع الملك ( وإذا دبر المكاتب ) جاز بغير خلاف نعلمه ; لأنه تعليق لعتقه بصفة ، وهو يملك إعتاقه فيملك التعليق ، وإن قيل : هو وصية ( أو كاتب المدبر ، جاز ) وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ; لأن التدبير إن كان عتقا بصفة ، لم يمنع الكتابة ، وكذا إن كان وصية ، كما لو وصى بعتقه ، ثم كاتبه ، وذكر القاضي أنه يبطل بها إذا قلنا : هو وصية ، كما لو وصى به لرجل ، ثم كاتبه ( فإن أدى عتق ) لأن ذلك شأن المكاتب ( وإن مات سيده قبل الأداء ، عتق ) لأن ذلك شأن المدبر ( إن حمل الثلث ما بقي من كتابته ) لأن المدبر يعتبر في عتقه بالتدبير خروجه من الثلث ، وبطلت الكتابة ( وإلا عتق منه بقدر الثلث ) حيث لم يخرج كله من الثلث ; لأن ذلك لا مانع له ( وسقط من الكتابة بقدر ما عتق ) لانتفاء محلها بالعتق ( وهو على الكتابة فيما بقي ) لأن محلها لم يعارضه شيء ، فعلى هذا لو خرج نصفه من الثلث ، عتق نصفه ، وسقط نصف الكتابة ، وبقي نصفه ، والذي يحسب من الثلث إنما هو قيمة المدبر وقت موت سيده ; لأن المدبر لو لم يكن مكاتبا ، لاعتبرت قيمته ، ومن عتق بالتدبير ، كان ما في يده لسيده ; لأنه كان له قبل العتق ، فكذا بعده ، ذكره الأصحاب ، قال المؤلف : وعندي أن يعتق ويتبعه ولده وأكسابه ; لأن السيد لا يملك إبطال كتابته ; لكونها عقدا لازما من جهته ، وإنما يملك إسقاط حقه عليه ، وعنه : له كسبه ، ونقل ابن هانئ : ما لا بد من كسبه ، وكما لو ادعى المدبر أنه كسبه بعد موته ، وأمكن لثبوت يده عليه بخلاف ولده ( وإذا دبر ) وهو موسر ( شركا له في عبد لم يسر إلى نصيب شريكه ) لأنه تعليق للعتق بصفة ، [ ص: 332 ] فلم يسر ، كتعليقه بدخول الدار ، ويفارق الاستيلاد ، فإنه آكد بدليل أنه يعتق من جميع المال ، ولو قتلت سيدها ، لم يبطل استيلادها ، والمدبر بخلافه ، وإن مات المدبر ، عتق نصيبه إن خرج من الثلث ، وفي سرايته إلى نصيب شريكه روايتان ( فإن أعتق شريكه ) نصيبه ( سرى إلى المدبر ، وغرم قيمته لسيده ) إن كان موسرا لخبر ابن عمر ، ولأنه إذا سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء ، والولاء أولى ما ذكر فيه لا أصل له ، ويبطل بما إذا علق عتق نصيبه بصفة ( ويحتمل أن يسري في الأول ) ويضمن قيمته ; لأن المدبر استحق العبد بموت سيده ، فسرى كأم الولد ( دون الثاني ) أي : لا يسري ; لأنه قد انعقد له سبب استحق الولاء على العبد ، فلم يكن للآخر إبطاله .

                                                                                                                          تنبيه : إذا دبرا عبدهما معا ، صح ، ولا يعتق بموت أحدهما ، ولا ببيع وارثه حقه ، ثم إن أعتق أحدهما حقه ، ففي وجوب ضمان حق الآخر وجهان ، وفي الشرح : إذا دبر كل واحد من الشريكين حقه ، فمات أحدهما ، عتق نصيبه ، وبقي نصيب الآخر على التدبير ، إن لم يف ثلثه بقيمة حصة شريكه ، وإن كان يفي ، فهل يسري ؛ على روايتين ، وإن قال كل واحد منهما : إذا متنا ، فأنت حر ، فإذا مات أحدهما ، فنصفه حر ، وقال القاضي : هذا تعليق للحرية بموتهما جميعا ، فإن عتق بالتدبير ، فما معه إذن إرث ، وعنه : بل هو له ، اختاره المؤلف ، كما لو بقي مدة ، فادعاه كسبا بعد موته حلف له ، فإن أقام بينة ، قدمت على بينة الورثة ، وعنه : تقدم بينة الداخل ، وإن أعتق عبده القن ، أو كاتبه ، أو أعتق مكاتبه ، فما بيده لسيده ، وعنه : له وعتقه مكاتبه ، قيل : إبراء مما بقي ، [ ص: 333 ] وقيل : فسخ كعتقه في كفارة .

                                                                                                                          ( وإذا أسلم مدبر الكافر ، لم يقر في يده ) أي : أمرناه بإزالة ملكه عنه ، لئلا يبقى الكافر مالكا لمسلم كغير المدبر ، وكما لو أسلم مكاتبه وعجز ، وقيل : لا يلزمه إن استدام تدبيره ، ويحال بينهما ، وتلزمه نفقته حتى يعتق بموته ( وترك في يد عدل حتى ينفق عليه من كسبه ) لأنه أولى الناس به ( وما فضل لسيده ) لأنه مملوكه ( وإن أعوز ، فعليه تمامه ) لأن نفقة المملوك على السيد إن لم يكن له كسب ( إلا أن يرجع في التدبير ، ونقول بصحة الرجوع ، فيجبر على بيعه ) ولا يترك في يد عدل ; لأن الكافر لا يقر على استقرار ملكه على المسلم ، وفي المغني والشرح : إن المدبر إذا كان لم يكن له كسب أنه يجبر سيده على الإنفاق عليه ; لأنه ملكه ( ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا بشاهدين ) أي : إذا ادعى العبد على سيده ، أنه دبره ، صحت دعواه ; لأنه يدعي استحقاق العتق ، فإن أنكر ولم يكن للمدبر بينة ، قبل قول السيد مع يمينه ; لأن الأصل عدمه ، وجحده التدبير ليس رجوعا إن جعل عتقا بصفة ، وإلا فوجهان ، فإن جعل رجوعا ، لم تسمع دعواه ولا بينته ، قال ابن حمدان : إن جوزنا الرجوع وحلف عليه ، صح ، وإلا فلا ، وإن كان الاختلاف بين العبد وورثه سيده ، فكالخلاف مع السيد ، إلا أن الدعوى صحيحة ، بغير خلاف ، وأيمانهم على نفي العلم ، ويجب اليمين على كل واحد من الورثة ، فمن نكل منهم ، عتق نصيبه ، ولم يسر إلى باقيه ، ويشترط في الشاهدين العدالة بغير خلاف ; لأن ذلك شرط فيهما ( وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين ، أو بشاهد ويمين [ ص: 334 ] العبد ؛ على روايتين )

                                                                                                                          إحداهما ، وجزم بها في الوجيز : أنه يحكم به قياسا على البيع .

                                                                                                                          والثانية : لا يحكم عليه بذلك ; لأن الغرض إثبات الحرية ، وتكميل الأحكام ، فلا يثبت ذلك إلا بشهادة عدلين ، كالنكاح والطلاق .

                                                                                                                          ( وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره ) لأنه قصد استعجال العتق بالقتل المحرم ، فعوقب بنقيض قصده ، كمنع الميراث بقتل المورث ، ولأن التدبير وصية ، فيبطل بالقتل كالوصية بالمال ، ولا يلزم على هذا عتق أم الولد لكونها آكد ، وحينئذ فلا فرق بين كون القتل عمدا أو خطأ ، كما لا فرق بين حرمان الإرث وإبطال وصية القاتل ، وإن قيل : لا تبطل الوصية بالموت ، فالتدبير أولى نظرا للعتق .

                                                                                                                          فرع : إذا جنى المدبر ، لم يبطل تدبيره ، ويباع في الجناية ، وسيده بالخيار ، ومن لم يجوز بيعه أوجب فداءه على سيده ، كأم الولد ، فإن مات سيده قبل بيعه ، عتق وأرش جنايته في تركه سيده ، وإن فداه سيده ، بقي تدبيره ، وإن باع بعضه بها ، فباقيه مدبر ، وإن جنى على المدبر ، فأرش الجناية لسيده ، فإن كانت الجناية على نفسه ، وجبت قيمته لسيده ، وبطل التدبير بهلاكه ، لا يقال : قيمته قائمة مقامه كالعبد المرهون والموقوف ; لأن كل واحد منهما لازم ، فتعلق الحق ببدله والتدبير غير لازم ; لأنه يمكنه إبطاله بالبيع وغيره ، فلم يتعلق الحق ببدله .




                                                                                                                          الخدمات العلمية