الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 215 ] القول في تأويل قوله ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم ، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك : تعالوا ، أيها القوم ، أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقا يقينا ، لا الباطل تخرصا ، تخرصكم على الله الكذب والفرية ظنا ، ولكن وحيا من الله أوحاه إلي ، وتنزيلا أنزله علي : أن لا تشركوا بالله شيئا من خلقه ، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام ، ولا تعبدوا شيئا سواه ( وبالوالدين إحسانا ) ، يقول : وأوصى بالوالدين إحسانا وحذف " أوصى " و " أمر " ، لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه . وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب .

وأما " أن " في قوله : ( أن لا تشركوا به شيئا ) ، فرفع ؛ لأن معنى الكلام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، هو أن لا تشركوا به شيئا .

وإذا كان ذلك معناه ، كان في قوله : ( تشركوا ) ، وجهان :

الجزم بالنهي ، وتوجيه " لا " إلى معنى النهي .

والنصب ، على توجيه الكلام إلى الخبر ، ونصب " تشركوا " ، ب " أن لا " ، [ ص: 216 ] كما يقال : " أمرتك أن لا تقوم " .

وإن شئت جعلت " أن " في موضع نصب ، ردا على " ما " وبيانا عنها ، ويكون في قوله : ( تشركوا ) ، أيضا من وجهي الإعراب ، نحو ما كان فيه منه . و " أن " في موضع رفع .

ويكون تأويل الكلام حينئذ : قل : تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، أتل أن لا تشركوا به شيئا .

فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون قوله ( تشركوا ) نصبا ب " أن لا " ، أم كيف يجوز توجيه قوله : " أن لا تشركوا به " ، على معنى الخبر ، وقد عطف عليه بقوله : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ) ، وما بعد ذلك من جزم النهي ؟ قيل : جاز ذلك ، كما قال تعالى ذكره : ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) ، فجعل " أن أكون " خبرا ، و " أن " اسما ، ثم عطف عليه " ولا تكونن من المشركين " ، [ سورة الأنعام : 14 ] ، وكما قال الشاعر :


حج وأوصى بسليمى الأعبدا أن لا ترى ولا تكلم أحدا

    ولا يزل شرابها مبردا


فجعل قوله : " أن لا ترى " خبرا ، ثم عطف بالنهي فقال : " ولا تكلم " ، " ولا يزل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية