الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          190 - مسألة : ولا معنى لتخليل اللحية في الغسل ولا في الوضوء ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وداود .

                                                                                                                                                                                          والحجة في ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال { ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فتوضأ مرة مرة } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وغسل الوجه مرة لا يمكن معه بلوغ الماء إلى أصول الشعر ، ولا يتم [ ص: 281 ] ذلك إلا بترداد الغسل والعرك ، وقال - عز وجل - : { فاغسلوا وجوهكم } والوجه هو ما واجه ما قابله بظاهره ، وليس الباطن وجها وذهب إلى إيجاب التخليل قوم ، كما روينا عن مصعب بن سعد أن عمر بن الخطاب رأى قوما يتوضئون ، فقال خللوا وعن ابنه عبد الله أيضا مثل ذلك ، وعن ابن جريج عن عطاء أنه قال : اغسل أصول شعر اللحية ، قال ابن جريج : قلت لعطاء أيحق علي أن أبل أصل كل شعرة في الوجه ؟ قال نعم ، قال ابن جريج : وأن أزيد مع اللحية الشاربين والحاجبين ؟ قال : نعم ، وعن ابن سابط وعبد الرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير إيجاب تخليل اللحية في الوضوء والغسل ، وروينا عن غير هؤلاء فعل التخليل دون أن يأمروا بذلك ، فروينا عن عثمان بن عفان أنه توضأ فخلل لحيته وعن عمار بن ياسر مثل ذلك ، وعن عبد الله بن أبي أوفى وعن أبي الدرداء وعلي بن أبي طالب مثل ذلك ، وإلى هذا كان يذهب أحمد بن حنبل ، وهو قول أبي البختري وأبي ميسرة وابن سيرين والحسن وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعبد الرزاق وغيره .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : واحتج من رأى إيجاب ذلك بحديث رويناه عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال : بهذا أمرني ربي } .

                                                                                                                                                                                          وبحديث آخر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أتاني جبريل فقال : إن ربك يأمرك بغسل الفنيك والفنيك الذقن خلل لحيتك عند الطهور } وعن ابن عباس [ ص: 282 ] { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ويخلل لحيته ، ويقول : هكذا أمرني ربي ومن طريق وهب هكذا أمرني ربي } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وكل هذا لا يصح ، ولو صح لقلنا به : أما حديث أنس فإنه من طريق الوليد بن زوران وهو مجهول والطريق الآخر فيها عمر بن ذؤيب وهو مجهول والطريق الثالثة من طريق مقاتل بن سليمان وهو مغموز بالكذب ، والطريق الرابعة فيها الهيثم بن جماز وهو ضعيف ، عن يزيد الرقاشي وهو لا شيء ، فسقطت كلها .

                                                                                                                                                                                          ثم نظرنا في حديث ابن عباس فوجدناه من طريق نافع مولى يوسف وهو ضعيف منكر الحديث ، والأخرى فيها مجهولون لا يعرفون ، والذي من طريق ابن وهب لم يسم فيه ممن بين ابن وهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، فسقط كل ذلك .

                                                                                                                                                                                          وأما من استحب التخليل فاحتجوا بحديث من طريق عثمان بن عفان { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته } وعن عمار بن ياسر مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                          وعن عائشة مثل ذلك . [ ص: 283 ] وعن عبد الله بن أوفى مثل ذلك . وعن الحسن مثل ذلك . وعن أبي أيوب مثل ذلك . [ ص: 284 ] وعن أنس مثل ذلك . وعن أم سلمة مثل ذلك ، وعن جابر مثل ذلك وعن عمرو بن الحارث مثل ذلك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا كله لا يصح منه شيء : أما حديث عثمان فمن طريق إسرائيل وليس بالقوي ، عن عامر بن شقيق ، وليس مشهورا بقوة النقل .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث عمار فمن طريق حسان بن بلال المزني وهو مجهول ، وأيضا فلا يعرف له لقاء لعمار وأما حديث عائشة فإنه من طريق رجل مجهول لا يعرف من هو ؟ شعبة يسميه عمرو بن أبي وهب . وأمية بن خالد يسميه عمران بن أبي وهب .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث ابن أبي أوفى فهو من طريق أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن العطار وهو ضعيف أسقطه أحمد ويحيى والبخاري وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أبي أيوب فمن طريق واصل بن السائب وهو ضعيف ، وأبو أيوب المذكور فيه ليس هو أبا أيوب الأنصاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن معين . وأما حديث أنس فهو من طريق أيوب بن عبد الله وهو مجهول . وأما حديث أم سلمة فهو من طريق خالد بن إلياس المديني ، من ولد أبي الجهم بن حذيفة العدوي وهو ساقط منكر الحديث ، وليس هو خالد بن إلياس الذي يروي عنه شعبة ، ذا بصري ثقة . وأما حديث جابر فهو من طريق أصرم بن غياث ، وهو ساقط ألبتة لا يحتج به . وأما حديث الحسن وعمرو بن الحارث فمرسلان ، فسقط كل ما في هذا الباب ولقد كان يلزم من يحتج بحديث معاذ " أجتهد رأيي " ويجعله أصلا في الدين [ ص: 285 ] وبأحاديث الوضوء بالنبيذ وبالوضوء من القهقهة في الصلاة ، وبحديث بيع اللحم بالحيوان ، ويدعي فيها الظهور والتواتر - أن يحتج بهذه الأخبار فهي أشد ظهورا وأكثر تواترا - من تلك ، ولكن القوم إنما همهم نصر ما هم فيه في الوقت فقط .

                                                                                                                                                                                          واحتج أيضا من رأى التخليل بأن قالوا : وجدنا الوجه يلزم غسله بلا خلاف قبل نبات اللحية ، فلما نبتت ادعى قوم سقوط ذلك وثبت عليه آخرون ، فواجب أن لا يسقط ما اتفقنا عليه إلا بنص آخر أو إجماع قال أبو محمد : وهذا حق ، وقد سقط ذلك بالنص ; لأنه إنما يلزم غسله ما دام يسمى وجها ، فلما خفي بنبات الشعر سقط عنه اسم الوجه ، وانتقل هذا الاسم إلى ما ظهر على الوجه من الشعر ، وإذ سقط اسمه سقط حكمه ، وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية