الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة أي إن كان المدين غير قادر على الأداء لعسرة ملازمة له كملازمة الصاحب لصاحبه فانتظار إلى وقت يتيسر فيه ، فلا يزيد عليه ليرهقه ، فيعجز عن الوفاء ، بل ينتظر حتى يجيء الوقت الذي يستطيع الأداء وهنا بعض عبارات فيها إشارات بيانية جديرة بالتنبيه :

                                                          أولها : التعبير بذو عسرة في قوله وإن كان ذو عسرة أي كان صاحب عسرة وضيق شديد يلازمه كملازمة الصاحب ، لأن كلمة ذو تدل على المصاحبة ; [ ص: 1061 ] وفرض أن بعض المدينين ذو عسرة يدل على أن مدينين آخرين يستطيعون الوفاء ، ومنهم الذين يقترضون للاستغلال .

                                                          ثانيها : قوله تعالى : فنظرة إلى ميسرة معناها : فالحكم أو الأمر انتظار إلى ميسرة ، وهناك قراءة أخرى ، وهي ( فناظره إلى ميسرة ) أي فمنتظره إلى ميسرة .

                                                          ثالثها : قوله إلى ميسرة فالميسرة بفتح السين وضمها كمقبرة ومقبرة : هي حال اليسر ، فليست الميسرة هي مجرد اليسار ، بل هي اليسار المستقر الثابت الذي يتمكن فيه المدين من وفاء دينه كله مقدما القوي على الضعيف ، أي أن الدائن ينتظر المدين حتى يقف من عثرة العسرة ويستقيم أمره ، لا أن يترقب أي مال حتى يأخذه كما يأخذ الصائد قنيصته .

                                                          وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون أي أنه إذا ثبت العجز وتقرر ، وأصبح احتمال اليسار غير قريب فتصدقوا بالدين على صاحبه وأبرئوه منه ; فإن ذلك يكون خيرا لكم في الدنيا والآخرة ; أما في الدنيا فلأنكم إذا فقدتم الأمل في الاستيفاء فكل جهد في سبيله ضائع ، وكل تعقب في سبيله يورث الإحن من غير جدوى ; ويثير الأحقاد المستمرة من غير فائدة ، فيكون من الخير العفو والإبراء ، والإبقاء على الأخوة ، والعلاقات الاجتماعية ، وأما في الآخرة فالنعيم المقيم .

                                                          وهذا الجزء من النص الكريم فيه إشعار للدائنين بأنه إذا ذهب دينهم بالتوى وعجز المدين عن الوفاء فلا تذهب أنفسهم حسرات ، وليعلموا أن التصدق أجدى إن كانوا يعلمون . وذكر سبحانه هذه الجملة السامية : إن كنتم تعلمون لأن غمرة الألم لفقد الدين قد تنسيهم ما ينبغي في مثل هذه الحال فنبههم إلى ما ينبغي ليكونوا في حال وعي نفسي دائم ، ولا ينسيهم المال الحال والمآل .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية