ومن باب الإشارة:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=3ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون فيه إشارة إلى ذم من كان همه بطنه وتنفيذ شهواته، قال أبو عثمان: أسوأ الناس حالا من كان همه ذلك فإنه محروم عن الوصول إلى حرم القرب
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون رموه وحاشاه صلى الله تعالى عليه وسلم بالجنون مشيرين إلى أن سببه دعواه عليه الصلاة والسلام نزول الذكر الذي لم تتسع له عقولهم. والإشارة في ذلك أنه لا ينبغي لمن لم يتسع عقله لما من الله سبحانه به على أوليائه من الأسرار أن يبادروهم بالإنكار ويرموهم بما لا ينبغي كما هو عادة كثير من المنكرين اليوم على الأولياء الكاملين حيث نسبوهم فيما تكلموا به من الأسرار الإلهية والمعارف الربانية إلى الجنون وزعموا أن ما تكلموا به من ذلك ترهات وأباطيل خيلت لهم من الرياضات، ولا أعني بالأولياء الكاملين سوى من تحقق لدى المنصفين موافقتهم للشرع فيما يأتون ويذرون دون الذين يزعمون انتظامهم في سلكهم وهم أولياء الشيطان وحزبهم حزبه كبعض متصوفة هذا الزمان فإن الزنادقة بالنسبة
[ ص: 54 ] إليهم أتقياء موحدون كما لا يخفى على من سبر أحوالهم
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال ابن عطاء: أي إنا نزلنا هذا الذكر شفاء ورحمة وبيانا للهدى فينتفع به من كان موسوما بالسعادة منورا بتقديس السر عن دنس المخالفة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9وإنا له لحافظون في قلوب أوليائنا فهي خزائن أسرارنا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=16ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين أشار سبحانه إلى سماء الذات وبروج الصفات والجلال فيسير في ذلك القلب والسر والعقل والروح فيحصل للروح التوحيد والتجريد والتفريد وللعقل المعارف والكواشف وللقلب العشق والمحبة والخوف والرجاء والقبض والبسط والعلم والخشية والأنس والانبساط وللسر الفناء والبقاء والسكر والصحو
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=17وحفظناها من كل شيطان رجيم إشارة إلى منع كشف جمال صفاته سبحانه وجلال ذاته عز وجل عن أبصار البطالين والمدعين والمبطلين الزائغين عن الحق
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18إلا من استرق السمع اختلس شيئا من سكان هاتيك الحضائر القدسية من الكاملين
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18فأتبعه شهاب مبين نار التحير فهلك في بوادي التيه أو صار غولا يضل السائرين السالكين لتحصيل ما ينفعهم، وقيل الإشارة في ذلك: إنا جعلنا في سماء العقل بروج المقامات ومراتب العقول من العقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد وزيناها بالعلوم والمعارف للناظرين المتفكرين وحفظناها من شياطين الأوهام الباطلة إلا من اختطف الحكم العقلي باستراق السمع لقربه من أفق العقل فأتبعه شهاب البرهان الواضح فطرده وأبطل حكمه اه ولا يخفى ما في تزيين كل مرتبة من مراتب العقول المذكورة بالعلوم والمعارف للمتفكرين من النظر على من تفكر، وقيل: الإشارة إلى أنه تعالى جعل في سماء القلوب بروج المعارف تسير فيها سيارات الهمم، وجعلها زينة للناظرين إليها المطلعين عليها من الملائكة والروحانيين وحفظها من الشياطين فلو دنا إبليس أو جنوده من قلب عارف احترق بنور معرفته ورد خاسئا.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون إشارة إلى أنه تعالى بسط بأنوار تجلي جماله وجلاله سبحانه أرض قلوب أوليائه حتى أن العرش وما حوى بالنسبة إليها كحلقة في فلاة بل دون ذلك بكثير، وفي الخبر «
ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن »
ثم إنه تعالى لما تجلى عليها تزلزلت من هيبته فألقى عليها رواسي السكينة فاستقرت وأنبت فيها بمياه بحار زلال نور غيبه من جميع نباتات المعارف والكواشف والمواجيد والحالات والمقامات والآداب وكل من ذلك موزون بميزان علمه وحكمته. وقال بعضهم: نفوس العابدين أرض العبادة وقلوب العارفين أرض المعرفة وأرواح المشتاقين أرض المحبة، والرواسي الرجاء والخوف والرغبة والرهبة، والازدهار الأنوار التي أشرقت فيها من نور اليقين ونور العرفان ونور الحضور ونور الشهود ونور التوحيد إلى غير ذلك، وقيل: أشير بالأرض إلى أرض النفس أي بسطنا أرض النفس بالنور القلبي وألقينا فيها رواسي الفضائل وأنبتنا فيها كل شيء من الكمالات الخلقية والأفعال الإرادية والملكات الفاضلة والإدراكات الحسية معين مقدر بميزان الحكمة والعدل
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وجعلنا لكم فيها معايش بالتدابير الجزئية
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20ومن لستم له برازقين ممن ينسب إليكم ويتعلق بكم، قال بعضهم: إن سبب العيش مختلف فعيش المريدين بيمن إقباله تعالى وعيش العارفين بلطف جماله سبحانه وعيش الموحدين بكشف جلاله جل جلاله.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وإن من شيء إلا عندنا خزائنه أي ما من شيء إلا له عندنا خزانة في عالم القضاء
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وما ننزله في عالم الشهادة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21إلا بقدر معلوم من شكل وقدر ووضع ووقت ومحل حسبما يقتضيه استعداده، قيل: إن الإشارة في ذلك إلى دعوة العباد إلى حقائق التوكل وقطع الأسباب والإعراض عن الأغيار، ومن هنا قال حمدون: إنه سبحانه
[ ص: 55 ] قطع أطماع عبيده جل وعلا بهذه الآية فمن رفع بعد هذا حاجة إلى غيره تعالى شأنه فهو جاهل ملوم، وكان الجنيد قدس سره إذا قرأ هذه الآية يقول: فأين تذهبون؟ ويقال: خزائنه تعالى في الأرض قلوب العارفين وفيها جواهر الأسرار، ومنهم من قال:
النفوس خزائن التوفيق والقلوب خزائن التحقيق والألسنة خزائن الذكر إلى غير ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22وأرسلنا على القلوب
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22الرياح النفحات الإلهية
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22لواقح بالحكم والمعارف، قال ابن عطاء: رياح العناية تلقح الثبات على الطاعات ورياح الكرم تلقح في القلوب معرفة المنعم ورياح التوكل تلقح في النفوس الثقة بالله تعالى والاعتماد عليه، وكل من هذه الرياح تظهر في الأبدان زيادة وفي القلوب زيادة وشقي من حرمها
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فأنزلنا من السماء أي سماء الروح ماء من العلوم الحقيقية
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فأسقيناكموه وأحييناكم به
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22وما أنتم له أي لذلك الماء
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22بخازنين لخلوكم عن العلوم قبل أن نعلمكم
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23وإنا لنحن نحيي القلوب بماء العلم والمشاهدة
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23ونميت النفوس بالجد والمجاهدة، وقيل: نحيي بالعلم ونميت بالإفناء في الوحدة، وقيل: نحيي بمشاهدتنا قلوب المطيعين من موت الفراق ونميت نفوس المريدين بالخوف منا وقهر عظمتنا عن حياة الشهوات، وقال الواسطي: نحيي من نشاء بنا ونميت من نشاء عنا، وقال
الوراق: نحيي القلوب بنور الإيمان ونميت النفوس باتباع الشيطان وقيل وقيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23ونحن الوارثون للوجود والباقون بعد الفناء
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=24ولقد علمنا المستقدمين منكم وهم المشتاقون الطالبون للتقدم
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=24ولقد علمنا المستأخرين وهم المنجذبون إلى عالم الحس باستيلاء صفات النفس الطالبون للتأخر عن عالم القدس وروضات الأنس، ومن هنا قال ابن عطاء: من القلوب قلوب همتها مرتفعة عن الأدناس والنظر إلى الأكوان ومنها ما هي مربوطة بها مقترنة بنجاستها لا تنفك عنها طرفة عين، وقيل: المستقدمين الطالبون كشف أنوار الجمال والجلال والمستأخرين أهل الرسوم الطالبون للحظوظ والأعراض، وقيل: الأولون هم أرباب الصحو الذين يتسارعون إذا دعوا إلى الطاعة والآخرون سكارى التوحيد والمعرفة والمحبة، وقيل: الأولون هم الآخذون بالعزائم والآخرون هم الآخذون بالرخص، وقيل: غير ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=28وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فيه إشارة إلى عظم شأن آدم عليه السلام حيث أخبر سبحانه بخلقه قبل أن يخلقه، وسماه بشرا لأنه جل شأنه باشر خلقه بيديه، ولم يثن سبحانه اليد لأحد إلا له، وهو النسخة الإلهية الجامعة لصفات الجمال والجلال
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=29فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين أضاف سبحانه الروح إلى نفسه تشريفا لها وتعظيما لقدرها لما أنها سر خفي من أسراره جل وعلا، ولذا قيل: من عرف نفسه عرف ربه، وعلق تبارك شأنه الأمر بالسجود بالتسوية والنفخ لما أن أنوار الأسماء والصفات وسناء سبحات الذات إنما تظهر إذ ذاك، ولذا لما تم الأمر وجلدت النسخة فظهرت أنوار الحق وقرئت سطور الأسرار استصغروا أنفسهم
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=30فسجد الملائكة كلهم أجمعون nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31إلا إبليس لما أعمى الله تعالى عينه عن مشاهدة ما شاهدوه
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31أبى أن يكون مع الساجدين ولو شاهد ذلك لسجد كما سجدوا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=33قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون غلط اللعين في زعمه أنه خير من آدم عليه السلام ولم يخطر في باله أيضا أن المحب الصادق يمتثل أمر محبوبه كيف كان، ومن هنا قيل:
لو قال تيها قف على جمر الغضى لوقفت ممتثلا ولم أتوقف
وقال بعض أهل الوحدة: إن الملعون ظن أنه مستحكم في توحيده حيث لم يسجد لغيره تعالى، وقد أخطأ
[ ص: 56 ] أيضا لأنه لا غير هناك لأن في حقيقة جمع الجمع ترتفع الغيرية وتزول الإثنينية. وأنت تعلم أن هذا بمراحل عما يدل عليه كلامه وأن الغيرية إذا ارتفعت في هذا المقام ترتفع مطلقا فلا تبقى غيرية بين
آدم وإبليس بل ولا بينهما وبين شخص من الأشخاص الخارجية والذهنية، ومن هنا قال قائلهم:
ما آدم في الكون ما إبليس ما ملك سليمان وما بلقيس
الكل عبارة وأنت المعنى يا من هو للقلوب مغناطيس
وقال الحسين بن منصور:
جحودي لك تقديس وعقلي فيك منهوس
فمن آدم إلاك ومن في البين إبليس
وقد انتشر مثل هذا الكلام اليوم في الأسواق ومجالس الجهلة والفساق واتسع الخرق على الراقع وتفاقم الأمر وما له سوى الله تعالى من دافع
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=34قال فاخرج منها فإنك رجيم طريد عن ساحة القرب إذ القرب يقتضي الامتثال وكلما ازداد العبد قربا من ربه ازداد خضوعا وخشوعا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=35وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين لم يرد سبحانه أنه بعد ذلك يحصل له القرب خلافا لبعض أهل الوحدة بل أراد جل وعلا بعض ما قدمناه.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض أي لأزينن لهم الشهوات في الجهة السفلية
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39ولأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=40إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصتهم لك واصطفيتهم لمحبتك أو المخلصين في طاعتهم لك ولا يلتفتون لأحد سواك، وفيه من مدح الإخلاص ما فيه، وفي الخبر «
العالم هلكى إلا العالمون والعالمون هلكى إلا العاملون والعاملون هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر »
أي شرف عظيم كما ذكره السيد السند في بعض تعليقاته.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين أي الذين يناسبونك في الغواية والبعد
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=43وإن جهنم لموعدهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=44لها سبعة أبواب عدد الحواس الخمس والقوتين الشهوية والغضبية وهاتان القوتان بابان عظيمان للضلالة المفضية إلى النار.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=17368يزيد بن قسيط قال:
كانت للأنبياء عليهم السلام مساجد خارجة من قراهم فإذا أراد أحدهم أن يستنبئ ربه عن شيء خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله تعالى ثم سأل ما بدا له فبينما نبي في مسجده إذ جاء إبليس حتى جلس بينه وبين القبلة فقال النبي: أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ثلاثا فقال إبليس: أخبرني بأي شيء تنجو مني؟ قال النبي: بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم فأجد كل واحد منهما على صاحبه فقال النبي: إن الله تعالى يقول: nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين قال إبليس: قد سمعت هذا قبل أن تولد قال النبي: ويقول الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=200وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله وإني والله تعالى ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله تعالى منك قال إبليس: صدقت بهذا تنجو مني فقال النبي: أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم قال: آخذه عند الغضب وعند الهوى nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=44لكل باب منهم جزء مقسوم
فيكون لكل باب فرقة تغلب عليها قوة ذلك الباب، نسأل الله تعالى أن يجيرنا منها بحرمة سيد ذوي الألباب صلى الله تعالى عليه وسلم.
وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=3ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ مَنْ كَانَ هَمُّهُ بَطْنَهُ وَتَنْفِيذَ شَهَوَاتِهِ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: أَسْوَأُ النَّاسِ حَالًا مَنْ كَانَ هَمُّهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَحْرُومٌ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى حَرَمِ الْقُرْبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ رَمَوْهُ وَحَاشَاهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُنُونِ مُشِيرِينَ إِلَى أَنَّ سَبَبَهُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نُزُولَ الذِّكْرِ الَّذِي لَمْ تَتَّسِعْ لَهُ عُقُولُهُمْ. وَالْإِشَارَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَمْ يَتَّسِعْ عَقْلُهُ لِمَا مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ مِنَ الْأَسْرَارِ أَنْ يُبَادِرُوهُمْ بِالْإِنْكَارِ وَيَرْمُوهُمْ بِمَا لَا يَنْبَغِي كَمَا هُوَ عَادَةُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْكِرِينَ الْيَوْمَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْكَامِلِينَ حَيْثُ نَسَبُوهُمْ فِيمَا تَكَلَّمُوا بِهِ مِنَ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ إِلَى الْجُنُونِ وَزَعَمُوا أَنَّ مَا تَكَلَّمُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ تُرَّهَاتٌ وَأَبَاطِيلُ خُيِّلَتْ لَهُمْ مِنَ الرِّيَاضَاتِ، وَلَا أَعْنِي بِالْأَوْلِيَاءِ الْكَامِلِينَ سِوَى مَنْ تَحَقَّقَ لَدَى الْمُنْصِفِينَ مُوَافَقَتُهُمْ لِلشَّرْعِ فِيمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ دُونَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ انْتِظَامَهُمْ فِي سَلْكِهِمْ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ وَحِزْبُهُمْ حِزْبُهُ كَبَعْضِ مُتَصَوِّفَةِ هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ الزَّنَادِقَةَ بِالنِّسْبَةِ
[ ص: 54 ] إِلَيْهِمْ أَتْقِيَاءُ مُوَحِّدُونَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ سَبَرَ أَحْوَالُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: أَيْ إِنَّا نَزَّلَنَا هَذَا الذِّكْرَ شِفَاءً وَرَحْمَةً وَبَيَانًا لِلْهُدَى فَيَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ كَانَ مَوْسُومًا بِالسَّعَادَةِ مُنَوَّرًا بِتَقْدِيسِ السِّرِّ عَنْ دَنَسِ الْمُخَالَفَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِنَا فَهِيَ خَزَائِنُ أَسْرَارِنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=16وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى سَمَاءِ الذَّاتِ وَبُرُوجِ الصِّفَاتِ وَالْجَلَالِ فَيَسِيرُ فِي ذَلِكَ الْقَلْبِ وَالسِّرِّ وَالْعَقْلِ وَالرُّوحِ فَيَحْصُلُ لِلرُّوحِ التَّوْحِيدُ وَالتَّجْرِيدُ وَالتَّفْرِيدُ وَلِلْعَقْلِ الْمَعَارِفُ وَالْكَوَاشِفُ وَلِلْقَلْبِ الْعِشْقُ وَالْمَحَبَّةُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ وَالْعِلْمُ وَالْخَشْيَةُ وَالْأُنْسُ وَالِانْبِسَاطُ وَلِلسِّرِّ الْفَنَاءُ وَالْبَقَاءُ وَالسُّكْرُ وَالصَّحْوُ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=17وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْعِ كَشْفِ جَمَالِ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَجَلَالِ ذَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَبْصَارِ الْبَطَّالِينَ وَالْمُدَّعِينَ وَالْمُبْطِلِينَ الزَّائِغِينَ عَنِ الْحَقِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ اخْتَلَسَ شَيْئًا مِنْ سُكَّانِ هَاتِيكَ الْحَضَائِرِ الْقُدْسِيَّةِ مِنَ الْكَامِلِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=18فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ نَارُ التَّحَيُّرِ فَهَلَكَ فِي بَوَادِي التِّيهِ أَوْ صَارَ غُولًا يُضِلُّ السَّائِرِينَ السَّالِكِينَ لِتَحْصِيلِ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَقِيلَ الْإِشَارَةُ فِي ذَلِكَ: إِنَّا جَعَلَنَا فِي سَمَاءِ الْعَقْلِ بُرُوجَ الْمَقَامَاتِ وَمَرَاتِبِ الْعُقُولِ مِنَ الْعَقْلِ الْهَيُولَانِيِّ وَالْعَقْلِ بِالْمَلَكَةِ وَالْعَقْلِ بِالْفِعْلِ وَالْعَقْلِ الْمُسْتَفَادِ وَزَيَّنَّاهَا بِالْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ لِلنَّاظِرِينَ الْمُتَفَكِّرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ شَيَاطِينِ الْأَوْهَامِ الْبَاطِلَةِ إِلَّا مَنِ اخْتَطَفَ الْحُكْمَ الْعَقْلِيَّ بِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ لِقُرْبِهِ مِنْ أُفُقِ الْعَقْلِ فَأَتْبَعَهُ شِهَابُ الْبُرْهَانِ الْوَاضِحُ فَطَرَدَهُ وَأَبْطَلَ حُكْمَهُ اه وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَزْيِينِ كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْعُقُولِ الْمَذْكُورَةِ بِالْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ لِلْمُتَفَكِّرِينَ مِنَ النَّظَرِ عَلَى مَنْ تَفَكَّرَ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ فِي سَمَاءِ الْقُلُوبِ بُرُوجَ الْمَعَارِفِ تَسِيرُ فِيهَا سَيَّارَاتُ الْهِمَمِ، وَجَعَلَهَا زِينَةً لِلنَّاظِرِينَ إِلَيْهَا الْمُطَّلِعِينَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرَّوْحَانِيِّينَ وَحَفَظَهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ فَلَوْ دَنَا إِبْلِيسُ أَوْ جُنُودُهُ مِنْ قَلْبِ عَارِفٍ احْتَرَقَ بِنُورِ مَعْرِفَتِهِ وَرُدَّ خَاسِئًا.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى بَسَطَ بِأَنْوَارِ تَجَلِّي جَمَالِهِ وَجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ أَرْضَ قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ حَتَّى أَنَّ الْعَرْشَ وَمَا حَوَى بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ بَلْ دُونَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ، وَفِي الْخَبَرِ «
مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ »
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا تَجَلَّى عَلَيْهَا تَزَلْزَلَتْ مِنْ هَيْبَتِهِ فَأَلْقَى عَلَيْهَا رَوَاسِيَ السَّكِينَةِ فَاسْتَقَرَّتْ وَأَنْبَتَ فِيهَا بِمِيَاهِ بِحَارٍ زُلَالَ نُورِ غَيْبِهِ مِنْ جَمِيعِ نَبَاتَاتِ الْمَعَارِفِ وَالْكَوَاشِفِ وَالْمَوَاجِيدِ وَالْحَالَاتِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْآدَابِ وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مَوْزُونٌ بِمِيزَانِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُفُوسُ الْعَابِدِينَ أَرْضُ الْعِبَادَةِ وَقُلُوبُ الْعَارِفِينَ أَرْضُ الْمَعْرِفَةِ وَأَرْوَاحُ الْمُشْتَاقِينَ أَرْضُ الْمَحَبَّةِ، وَالرَّوَاسِي الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ وَالرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ، وَالِازْدِهَارُ الْأَنْوَارُ الَّتِي أَشْرَقَتْ فِيهَا مِنْ نُورِ الْيَقِينِ وَنُورِ الْعِرْفَانِ وَنُورِ الْحُضُورِ وَنُورِ الشُّهُودِ وَنُورِ التَّوْحِيدِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: أُشِيرَ بِالْأَرْضِ إِلَى أَرْضِ النَّفْسِ أَيْ بَسَطْنَا أَرْضَ النَّفْسِ بِالنُّورِ الْقَلْبِيِّ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ الْفَضَائِلِ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْكِمَالَاتِ الْخِلْقِيَّةِ وَالْأَفْعَالِ الْإِرَادِيَّةِ وَالْمَلِكَاتِ الْفَاضِلَةِ وَالْإِدْرَاكَاتِ الْحِسِّيَّةِ مُعَيَّنٍ مُقَدَّرٍ بِمِيزَانِ الْحِكْمَةِ وَالْعَدْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ بِالتَّدَابِيرِ الْجُزْئِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْكُمْ وَيَتَعَلَّقُ بِكُمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سَبَبَ الْعَيْشِ مُخْتَلِفٌ فَعَيْشُ الْمُرِيدِينَ بِيُمْنِ إِقْبَالِهِ تَعَالَى وَعَيْشُ الْعَارِفِينَ بِلُطْفِ جَمَالِهِ سُبْحَانَهُ وَعَيْشُ الْمُوَحِّدِينَ بِكَشْفِ جَلَالِهِ جَلَّ جَلَالُهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ أَيْ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا لَهُ عِنْدَنَا خِزَانَةٌ فِي عَالَمِ الْقَضَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وَمَا نُنَزِّلُهُ فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ مِنْ شَكْلٍ وَقَدَرٍ وَوَضْعٍ وَوَقْتٍ وَمَحَلٍّ حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ اسْتِعْدَادُهُ، قِيلَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى دَعْوَةِ الْعِبَادِ إِلَى حَقَائِقِ التَّوَكُّلِ وَقَطْعِ الْأَسْبَابِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ حَمْدُونُ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ
[ ص: 55 ] قَطَعَ أَطْمَاعَ عَبِيدِهِ جَلَّ وَعَلَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَمَنْ رَفَعَ بَعْدَ هَذَا حَاجَةً إِلَى غَيْرِهِ تَعَالَى شَأْنُهُ فَهُوَ جَاهِلٌ مَلُومٌ، وَكَانَ الْجُنَيْدُ قُدِّسَ سِرُّهُ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يَقُولُ: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ وَيُقَالُ: خَزَائِنُهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ قُلُوبُ الْعَارِفِينَ وَفِيهَا جَوَاهِرُ الْأَسْرَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
النُّفُوسُ خَزَائِنُ التَّوْفِيقِ وَالْقُلُوبُ خَزَائِنُ التَّحْقِيقِ وَالْأَلْسِنَةُ خَزَائِنُ الذِّكْرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22وَأَرْسَلْنَا عَلَى الْقُلُوبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22الرِّيَاحَ النَّفَحَاتَ الْإِلَهِيَّةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22لَوَاقِحَ بِالْحُكْمِ وَالْمَعَارِفِ، قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: رِيَاحُ الْعِنَايَةِ تُلَقِّحُ الثَّبَاتَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَرِيَاحُ الْكَرَمِ تُلَقِّحُ فِي الْقُلُوبِ مَعْرِفَةَ الْمُنْعِمِ وَرِيَاحُ التَّوَكُّلِ تُلَقِّحُ فِي النُّفُوسِ الثِّقَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ تُظْهِرُ فِي الْأَبْدَانِ زِيَادَةً وَفِي الْقُلُوبِ زِيَادَةً وَشَقِّيٌ مَنْ حُرِمَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ أَيْ سَمَاءِ الرُّوحِ مَاءً مِنَ الْعُلُومِ الْحَقِيقِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَأَحْيَيْنَاكُمْ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22وَمَا أَنْتُمْ لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْمَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22بِخَازِنِينَ لِخُلُوِّكُمْ عَنِ الْعُلُومِ قَبْلَ أَنْ نُعَلِّمَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي الْقُلُوبَ بِمَاءِ الْعِلْمِ وَالْمُشَاهَدَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23وَنُمِيتُ النُّفُوسَ بِالْجِدِّ وَالْمُجَاهَدَةِ، وَقِيلَ: نُحْيِي بِالْعِلْمِ وَنُمِيتُ بِالْإِفْنَاءِ فِي الْوَحْدَةِ، وَقِيلَ: نُحْيِي بِمُشَاهَدَتِنَا قُلُوبَ الْمُطِيعِينَ مِنْ مَوْتِ الْفِرَاقِ وَنُمِيتُ نُفُوسَ الْمُرِيدِينَ بِالْخَوْفِ مِنَّا وَقَهْرِ عَظَمَتِنَا عَنْ حَيَاةِ الشَّهَوَاتِ، وَقَالَ الْوَاسِطِيُّ: نُحْيِي مَنْ نَشَاءُ بِنَا وَنُمِيتُ مَنْ نَشَاءُ عَنَّا، وَقَالَ
الْوَرَّاقُ: نُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَنُمِيتُ النُّفُوسَ بِاتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ وَقِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=23وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ لِلْوُجُودِ وَالْبَاقُونَ بَعْدَ الْفَنَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=24وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَهُمُ الْمُشْتَاقُونَ الطَّالِبُونَ لِلتَّقَدُّمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=24وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ وَهُمُ الْمُنْجَذِبُونَ إِلَى عَالَمِ الْحِسِّ بِاسْتِيلَاءِ صِفَاتِ النَّفْسِ الطَّالِبُونَ لِلتَّأَخُّرِ عَنْ عَالَمِ الْقُدْسِ وَرَوْضَاتِ الْأُنْسِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: مِنَ الْقُلُوبِ قُلُوبٌ هِمَّتُهَا مُرْتَفِعَةٌ عَنِ الْأَدْنَاسِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْأَكْوَانِ وَمِنْهَا مَا هِيَ مَرْبُوطَةٌ بِهَا مُقْتَرِنَةٌ بِنَجَاسَتِهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَقِيلَ: الْمُسْتَقْدِمِينَ الطَّالِبُونَ كَشْفَ أَنْوَارِ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ أَهْلُ الرُّسُومِ الطَّالِبُونَ لِلْحُظُوظِ وَالْأَعْرَاضِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُونَ هُمْ أَرْبَابُ الصَّحْوِ الَّذِينَ يَتَسَارَعُونَ إِذَا دُعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَالْآخَرُونَ سُكَارَى التَّوْحِيدِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُونَ هُمُ الْآخِذُونَ بِالْعَزَائِمِ وَالْآخِرُونَ هُمُ الْآخِذُونَ بِالرُّخَصِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=28وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ شَأْنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِخَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَسَمَّاهُ بَشَرًا لِأَنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ بَاشَرَ خَلْقَهُ بِيَدَيْهِ، وَلَمْ يَثْنِ سُبْحَانَهُ الْيَدَ لِأَحَدٍ إِلَّا لَهُ، وَهُوَ النُّسْخَةُ الْإِلَهِيَّةُ الْجَامِعَةُ لِصِفَاتِ الْجَمَالِ وَالْجَلَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=29فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ أَضَافَ سُبْحَانَهُ الرُّوحَ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهَا وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهَا لِمَا أَنَّهَا سِرٌّ خَفِّيٌّ مِنْ أَسْرَارِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَلِذَا قِيلَ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ، وَعَلَّقَ تَبَارَكَ شَأْنُهُ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ بِالتَّسْوِيَةِ وَالنَّفْخِ لِمَا أَنَّ أَنْوَارَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَسَنَاءَ سَبَحَاتِ الذَّاتِ إِنَّمَا تَظْهَرُ إِذْ ذَاكَ، وَلِذَا لَمَّا تَمَّ الْأَمْرُ وَجُلِّدَتِ النُّسْخَةُ فَظَهَرَتْ أَنْوَارُ الْحَقِّ وَقُرِئَتْ سُطُورُ الْأَسْرَارِ اسْتَصْغَرُوا أَنْفُسَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=30فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31إِلا إِبْلِيسَ لِمَا أَعْمَى اللَّهُ تَعَالَى عَيْنَهُ عَنْ مُشَاهَدَةِ مَا شَاهَدُوهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ وَلَوْ شَاهِدَ ذَلِكَ لَسَجَدَ كَمَا سَجَدُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=33قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ غَلَطَ اللَّعِينُ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُخْطَرْ فِي بَالِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُحِبَّ الصَّادِقَ يَمْتَثِلُ أَمْرَ مَحْبُوبِهِ كَيْفَ كَانَ، وَمِنْ هُنَا قِيلَ:
لَوْ قَالَ تِيهًا قِفْ عَلَى جَمْرِ الْغَضَى لَوَقَفْتُ مُمْتَثِلًا وَلَمْ أَتَوَقَّفْ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ: إِنَّ الْمَلْعُونَ ظَنَّ أَنَّهُ مُسْتَحْكِمٌ فِي تَوْحِيدِهِ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ لِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَخْطَأَ
[ ص: 56 ] أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا غَيْرُ هُنَاكَ لِأَنَّ فِي حَقِيقَةِ جَمْعِ الْجَمْعِ تَرْتَفِعُ الْغَيْرِيَّةُ وَتَزُولُ الْإِثْنَيْنِيَّةُ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا بِمَرَاحِلَ عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَأَنَّ الْغَيْرِيَّةَ إِذَا ارْتَفَعَتْ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَرْتَفِعُ مُطْلَقًا فَلَا تَبْقَى غَيْرِيَّةٌ بَيْنَ
آدَمَ وَإِبْلِيسَ بَلْ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ شَخْصٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ الْخَارِجِيَّةِ وَالذِّهْنِيَّةِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ قَائِلُهُمْ:
مَا آدَمُ فِي الْكَوْنِ مَا إِبْلِيسُ مَا مُلْكُ سُلَيْمَانَ وَمَا بَلْقِيسُ
الْكُلُّ عِبَارَةٌ وَأَنْتَ الْمَعْنَى يَا مَنْ هُوَ لِلْقُلُوبِ مِغْنَاطِيسُ
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ:
جُحُودِي لَكَ تَقْدِيسُ وَعَقْلِي فِيكَ مَنْهُوسُ
فَمَنْ آدَمُ إِلَّاكَ وَمَنْ فِي الْبَيْنِ إِبْلِيسُ
وَقَدِ انْتَشَرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الْيَوْمَ فِي الْأَسْوَاقِ وَمَجَالِسِ الْجَهَلَةِ وَالْفُسَّاقِ وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَمَا لَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ دَافِعٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=34قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ طَرِيدٌ عَنْ سَاحَةِ الْقُرْبِ إِذِ الْقُرْبُ يَقْتَضِي الِامْتِثَالَ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ قُرْبًا مِنْ رَبِّهِ ازْدَادَ خُضُوعًا وَخُشُوعًا
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=35وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ لَمْ يُرِدْ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ الْقُرْبُ خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ بَلْ أَرَادَ جَلَّ وَعَلَا بَعْضَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ أَيْ لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمُ الشَّهَوَاتِ فِي الْجِهَةِ السُّفْلِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=39وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=40إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ الَّذِينَ أَخْلَصْتَهُمْ لَكَ وَاصْطَفَيْتَهُمْ لِمَحَبَّتِكَ أَوِ الْمُخْلِصِينَ فِي طَاعَتِهِمْ لَكَ وَلَا يَلْتَفِتُونَ لِأَحَدٍ سِوَاكَ، وَفِيهِ مِنْ مَدْحِ الْإِخْلَاصِ مَا فِيهِ، وَفِي الْخَبَرِ «
الْعَالَمُ هَلْكَى إِلَّا الْعَالِمُونَ وَالْعَالِمُونَ هَلْكَى إِلَّا الْعَامِلُونَ وَالْعَامِلُونَ هَلْكَى إِلَّا الْمُخْلِصُونَ وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ »
أَيْ شَرَفٌ عَظِيمٌ كَمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ السَّنَدُ فِي بَعْضِ تَعْلِيقَاتِهِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مَنِ الْغَاوِينَ أَيِ الَّذِينَ يُنَاسِبُونَكَ فِي الْغِوَايَةِ وَالْبُعْدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=43وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=44لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَدَدُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَالْقُوَّتَيْنِ الشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَهَاتَانِ الْقُوَّتَانِ بَابَانِ عَظِيمَانِ لِلضَّلَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى النَّارِ.
أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17368يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ:
كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَسَاجِدُ خَارِجَةٌ مِنْ قُرَاهُمْ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَسْتَنْبِئَ رَبَّهُ عَنْ شَيْءٍ خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ سَأَلَ مَا بَدَا لَهُ فَبَيْنَمَا نَبِيٌّ فِي مَسْجِدِهِ إِذْ جَاءَ إِبْلِيسُ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ: أَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثَلَاثًا فَقَالَ إِبْلِيسُ: أَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ تَنْجُو مِنِّي؟ قَالَ النَّبِيُّ: بَلْ أَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ فَأَجَدَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مَنِ الْغَاوِينَ قَالَ إِبْلِيسُ: قَدْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُولَدَ قَالَ النَّبِيُّ: وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=200وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَإِنِّي وَاللَّهِ تَعَالَى مَا أَحْسَسْتُ بِكَ قَطُّ إِلَّا اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْكَ قَالَ إِبْلِيسُ: صَدَقْتَ بِهَذَا تَنْجُو مِنِّي فَقَالَ النَّبِيُّ: أَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ تَغْلِبُ ابْنَ آدَمَ قَالَ: آخُذُهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَعِنْدَ الْهَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=44لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ
فَيَكُونُ لِكُلِّ بَابٍ فِرْقَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهَا قُوَّةُ ذَلِكَ الْبَابِ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجِيرَنَا مِنْهَا بِحُرْمَةِ سَيِّدِ ذَوِي الْأَلْبَابِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.