الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ويجوز بيع المكاتب ، ومشتريه يقوم مقام المكاتب ، فإن أدى إليه ، عتق ، وولاؤه له ، وإن عجز ، عاد قنا له ، وإن لم يعلم أنه مكاتب ، فله الرد أو الأرش ، وعنه : لا يجوز بيعه ، وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر ، صح شراء الأول ، وبطل شراء الثاني ، سواء كانا لواحد أو لاثنين ، وإن جهل الأول منهما فسد البيعان ، وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل ، فأحب سيده ، أخذه بما اشتراه ، وإلا فهو عند المشتري مبقى على ما بقي من كتابته .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويجوز بيع المكاتب ) نصره في الشرح ، وقدمه في الفروع ، وجزم به في الوجيز ، لما روت عائشة ، قالت : جاءت بريرة ، فقالت : إني كاتبت أهلي [ ص: 354 ] على تسع أواق في كل عام أوقية ، فأعينيني ، قالت عائشة : إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة ، ويكون ولاؤك لي ، فعلت فعرضت ذلك عليهم فأبوا ، فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يمنعك ذلك ، ابتاعي وأعتقي متفق عليه . قال ابن المنذر : بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مكاتبة ، ولم ينكر ذلك ، ولا وجه لمن أنكره ، ولا أعلم خبرا يعارضه ، ولا أعلم في شيء من الأخبار دليلا على عجزها ، وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت ، وليس في الخبر ما يدل عليه ، بل قولها : أعينيني ، دليل على بقائها على الكتابة ( ومشتريه يقوم مقام المكاتب ) لأنه بدل عنه ، وفيه إشعار بأن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ، وهو كذلك بغير خلاف نعلمه ; لأنها عقد لازم ، فلم تنفسخ به كالنكاح ، وحكاه ابن المنذر إجماعا إذا كان ماضيا فيها ، مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها ( فإن أدى إليه ، عتق ) دون ولده ( وولاؤه له وإن عجز عاد قنا له ) لأن حكمه مع بائعه كذلك ( وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد ) وأخذ الثمن ( أو ) الإمساك مع ( الأرش ) لأن الكتابة نقص ; لأنه لا يقدر على التصرف فيه ، وقد انعقد سبب الحرية فيه ، أشبه الأمة المزوجة ( وعنه : لا يجوز بيعه ) لأنه عقد يمنع استحقاق الكسب ، فمنع البيع كالذي لا نفع فيه ، وعنه : المنع بأكثر من كتابته لا بقدرها ، حكاها ابن أبي موسى ، وفي الواضح في مدبر كذلك ، أي : على الخلاف كعبد أوصى بمنفعته ، وحكم الوصية به وهبته كبيعه ، وعنه : المنع من هبته قصرا على المورد ، فأما وقفه ، فلا يجوز لانتفاء الاستقرار .

                                                                                                                          [ ص: 355 ] فرع : لا يصح بيع الدين على المكاتب من نجومه لدين السلم ، فإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ، فقيل : يعتق ويبرأ المكاتب من مال الكتابة ، ويرجع السيد على المشتري بما قبضه ، وقيل : لا يعتق ، رجحه في الشرح ، ومال الكتابة باق في ذمة المكاتب ، ويرجع المكاتب على المشتري بما دفعه إليه ، ويرجع المشتري على البائع ، فإن سلم المشتري إلى البائع ، لم يصح تسليمه ; لأنه قبضه بغير إذن المكاتب ، أشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه ( وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر ، صح شراء الأول ) لأن التصرف صدر من أهله في محله ( وبطل شراء الثاني ) لأن العبد لا يملك سيده ، لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام ; لأن كل واحد يقول لصاحبه : أنا مولاك ، ولي ولاؤك ، وإن عجزت صرت لي رقيقا ( سواء كانا لواحد أو لاثنين ) لأن العلة كون العبد لا يملك سيده ، وهي موجودة هنا ( وإن جهل الأول منهما فسد البيعان ) اختاره أكثر الأصحاب كنكاح الوليين إذا أشكل الأول منهما ، ولا يحتاج ذلك إلى فسخ ، ولا إلى قرعة ، وأجراه القاضي مجرى الوليين ، فعلى هذا يفسخ الحاكم البيعين في رواية ، ويقرع بينهما في أخرى ( وإن أسر العدو المكاتب ، فاشتراه رجل فأحب سيده ، أخذه بما اشتراه ) أي : يأخذه سيده بما اشتراه الغير ، وهو مبني على ما إذا استولى الكفار على مال مسلم ، ثم استولى عليه المسلمون ، ثم وجده صاحبه بعد القسمة ، وفيه خلاف سبق ، وهل يحتسب على المكاتب بالمدة التي كان فيها عند الكافر ؛ فيها وجهان ، رجح في الشرح : أنه يحتسب بها ( وإلا ) أي : وإن لم يحب سيده أخذه ( فهو عند المشتري مبقى على ما بقي من كتابته ) لأن الكتابة عقد لازم لا تبطل بالبيع ، فلأن [ ص: 356 ] لا تبطل بالكسر بطريق الأولى ، يعتق بالأداء ; لأنه مكاتب قد أدى كتابته ، وولاؤه له ; لأنه معتقه .

                                                                                                                          فرع : إذا قال لسيده : أعتق مكاتبك على كذا ، ففعل ، عتق ولزمه ما التزم به ، وفي الرعاية : إذا أدى حربي عن مكاتب دين الكتابة بلا إذنه ، لم يرجع ، وإن قضى دينا آخر ، رجع به إن نواه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية