الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4337 ] قال الله تعالى:

                                                          ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا .

                                                          أكثر المفسرين على أن الخطاب لبني إسرائيل وعلى أن الكرة التي كروا بها على أعدائهم كانت في عهد داود عليه السلام -، وأن السلطان آل إليهم وتوطد في عهد سليمان عليه السلام -، كما قال تعالى: فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب

                                                          وإن ذلك بلا ريب واضح ولكن مؤداه أن بني إسرائيل تمكنوا في الأرض من بعد انتصار داود على جالوت ولم يكن منهم فساد من بعد، مع أن النص القرآني أثبت أنهم أفسدوا مرتين فما هو الفساد الثاني؛ وإذا لم يكن فساد ثان، أو مرة ثانية فهل تكون الآية غير صادقة! معاذ الله، إنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

                                                          ولذلك نذكر رأيا نميل إليه، وهو أن قوله تعالى: ثم رددنا لكم الكرة عليهم خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون في الكلام التفات من خطاب بني إسرائيل إلى خطاب محمد وأصحابه، ورد الكرة للنبي صلى الله عليه وسلم معناه رد الدولة إليه صلى الله عليه وسلم -، وقوله تعالى: وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا والنفير من ينفر مع الرجل من جند وجيش، وقد كان مع محمد وصحبه الأكرمين الأموال من غنائم الحروب والجند الكثيف، والبنون الذين جاءوا من ذرية المؤمنين.

                                                          وقد سوغ لنا أن نقول: في هذا القول أمور:

                                                          الأمر الأول: تحقيق الفساد من بني إسرائيل مرتين، وأنه لا يتحقق الفساد في المرة الثانية إلا بدخولهم المسجد كما دخلوه أول مرة، وأنهم ما أخرجوا منه في المرة الأخيرة إلا في عهد الرومان.

                                                          [ ص: 4338 ] الأمر الثاني: أن المرة الثانية هي التي دخلوا فيها المسجد مرة ثانية وخربوا ما علوا تخريبا وذلك ما أضافه المسلمون إلى المسجد.

                                                          الأمر الثالث: أنه لا يمكن أن يكون المخاطبون اليهود؛ لأنهم ما ساءت وجوههم بدخول المسجد بل ساء وجوه غيرهم، وهم الذين يعلمونهم ساسة المسلمين، وخصوصا ساسة العرب، وبالأخص ساسة مصر والأردن.

                                                          الأمر الرابع: قوله تعالى: عسى ربكم أن يرحمكم لا يمكن أن يكون لليهود إنما يكون للمسلمين لينشطوا من عقال وليرتفعوا بعد عزة، وليذهبوا المذلة.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية