القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=treesubj&link=28977_31912nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) ، ثم قل بعد ذلك يا
محمد : آتى ربك
موسى الكتاب فترك ذكر " قل " ، إذ كان قد تقدم في أول القصة ما يدل على أنه مراد فيها ، وذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) ، فقص ما حرم عليهم وأحل ، ثم قال : ثم قل : " آتينا موسى " ، فحذف " قل " لدلالة قوله : " قل " عليه ، وأنه مراد في الكلام .
[ ص: 233 ]
وإنما قلنا : ذلك مراد في الكلام ؛ لأن
محمدا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بعث بعد
موسى بدهر طويل ، وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه . ومعلوم أن
موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله
محمدا بتلاوة هذه الآيات على من أمر بتلاوتها عليه . و " ثم " في كلام العرب حرف يدل على أن ما بعده من الكلام والخبر ، بعد الذي قبلها .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( تماما على الذي أحسن ) ، فقال بعضهم : معناه : تماما على المحسنين .
ذكر من قال ذلك :
14171 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( تماما على الذي أحسن ) ، قال : على المؤمنين .
14172 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : ( تماما على الذي أحسن ) ، المؤمنين والمحسنين .
وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا وجه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن
موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده .
فإن قال قائل : فكيف جاز أن يقال : ( على الذي أحسن ) ، فيوحد " الذي " ، والتأويل على الذين أحسنوا ؟
قيل : إن العرب تفعل ذلك خاصة في " الذي " وفي " الألف واللام " ، إذا أرادت به الكل والجميع ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1والعصر إن الإنسان لفي خسر ) ، [ سورة العصر : 1 ، 2 ] ، وكما قالوا : " كثر الدرهم في أيدي الناس " .
[ ص: 234 ]
وقد ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : أنه كان يقرأ ذلك : " تماما على الذين أحسنوا " ، وذلك من قراءته كذلك ، يؤيد قول
مجاهد .
وإذا كان المعنى كذلك ، كان قوله : " أحسن " ، فعلا ماضيا ، فيكون نصبه لذلك .
وقد يجوز أن يكون " أحسن " في موضع خفض ، غير أنه نصب إذ كان " أفعل " ، و " أفعل " ، لا يجري في كلامها .
فإن قيل : فبأي شيء خفض ؟
قيل : ردا على " الذي " ، إذ لم يظهر له ما يرفعه فيكون تأويل الكلام حينئذ : ثم آتينا
موسى الكتاب تماما على الذي هو أحسن ، ثم حذف " هو " ، وجاور " أحسن " " الذي " ، فعرب بتعريبه ، إذ كان كالمعرفة من أجل أن " الألف واللام " لا يدخلانه ، " والذي " مثله ، كما تقول العرب : " مررت بالذي خير منك ، وشر منك " ، كما قال الراجز :
إن الزبيري الذي مثل الحلم مسى بأسلابكم أهل العلم
[ ص: 235 ] فأتبع " مثل " " الذي " ، في الإعراب . ومن قال ذلك ، لم يقل : مررت " بالذي عالم " ؛ لأن " عالما " نكرة ، " والذي " معرفة ، ولا تتبع نكرة معرفة .
وقال آخرون : معنى ذلك : تماما على الذي أحسن " ،
موسى ، فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه .
ذكر من قال ذلك :
14173 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) ، فيما أعطاه الله .
14174 - حدثني
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) ، قال : من أحسن في الدنيا ، تمم الله له ذلك في الآخرة .
14175 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) ، يقول : من أحسن في الدنيا ، تمت عليه كرامة الله في الآخرة .
وعلى هذا التأويل الذي تأوله الربيع ، يكون " أحسن " ، نصبا ؛ لأنه فعل ماض ، و " الذي " بمعنى " ما " وكأن الكلام حينئذ : ثم آتينا
موسى الكتاب تماما على ما أحسن
موسى أي : آتيناه الكتاب لأتمم له كرامتي في الآخرة ، تماما على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته .
[ ص: 236 ]
وقال آخرون في ذلك : معناه : ثم آتينا
موسى الكتاب تماما على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم .
ذكر من قال ذلك :
14176 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) ، قال : تماما من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام ، وآتاهم ذلك الكتاب تماما ، لنعمته عليه وإحسانه .
" وأحسن " على هذا التأويل أيضا ، في موضع نصب ، على أنه فعل ماض ، " والذي " على هذا القول والقول الذي قاله
الربيع ، بمعنى : " ما " .
وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك : " تماما على الذي أحسن " رفعا بتأويل : على الذي هو أحسن .
14177 - حدثني بذلك
أحمد بن يوسف قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12074القاسم بن سلام قال : حدثنا
الحجاج ، عن
هارون ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر .
قال
أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، وإن كان لها في العربية وجه صحيح ، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الأمصار .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : ثم آتينا
موسى الكتاب تماما لنعمنا عنده ، على الذي أحسن
موسى في قيامه بأمرنا ونهينا لأن ذلك أظهر معانيه في الكلام ، وأن إيتاء
موسى كتابه نعمة من الله عليه ومنة عظيمة . فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحسن طاعة .
[ ص: 237 ]
ولو كان التأويل على ما قاله
ابن زيد ، كان الكلام : ثم آتينا
موسى الكتاب تماما على الذي أحسنا أو : ثم آتى الله
موسى الكتاب تماما على الذي أحسن .
وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب ، ثم صرفه الخبر بقوله : " أحسن " ، إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين الدليل الواضح على أن القول غير القول الذي قاله
ابن زيد .
وأما ما ذكر عن
مجاهد من توجيهه " الذي " إلى معنى الجميع ، فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك . بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه . وإذا تنوزع في تأويل الكلام ، كان أولى معانيه به أغلبه على الظاهر ، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه معني به غير ذلك .
وأما قوله : ( وتفصيلا لكل شيء ) ، فإنه يعني : وتبيينا لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به .
فتأويل الكلام إذا : ثم آتينا
موسى التوراة تماما لنعمنا عنده وأيادينا قبله ، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربه وقيامه بما كلفه من شرائع دينه ، وتبيينا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم ، كما : -
14178 - حدثني
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : ( وتفصيلا لكل شيء ) ، فيه حلاله وحرامه .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=28977_31912nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) ، ثُمَّ قُلْ بَعْدَ ذَلِكَ يَا
مُحَمَّدُ : آتَى رَبُّكَ
مُوسَى الْكِتَابَ فَتَرَكَ ذِكْرَ " قُلْ " ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ فِيهَا ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ) ، فَقَصَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَأَحَلَّ ، ثُمَّ قَالَ : ثُمَّ قُلْ : " آتَيْنَا مُوسَى " ، فَحَذَفَ " قُلْ " لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ : " قُلْ " عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ .
[ ص: 233 ]
وَإِنَّمَا قُلْنَا : ذَلِكَ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ ؛ لِأَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَكَّ أَنَّهُ بُعِثَ بَعْدَ
مُوسَى بِدَهْرٍ طَوِيلٍ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أُمِرَ بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى مَنْ أُمِرَ بِتِلَاوَتِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ
مُوسَى أُوتِيَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ أَمْرِ اللَّهِ
مُحَمَّدًا بِتِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى مَنْ أُمِرَ بِتِلَاوَتِهَا عَلَيْهِ . وَ " ثُمَّ " فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْخَبَرِ ، بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهَا .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : ( تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ : تَمَامًا عَلَى الْمُحْسِنِينَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14171 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : ( تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، قَالَ : عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .
14172 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : ( تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُحْسِنِينَ .
وَكَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدًا وَجَّهَ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ
مُوسَى أَنَّهُ آتَاهُ الْكِتَابَ فَضِيلَةً عَلَى مَا آتَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُقَالَ : ( عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، فَيُوَحِّدَ " الَّذِي " ، وَالتَّأْوِيلُ عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا ؟
قِيلَ : إِنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ خَاصَّةً فِي " الَّذِي " وَفِي " الْأَلِفِ وَاللَّامِ " ، إِذَا أَرَادَتْ بِهِ الْكُلَّ وَالْجَمِيعَ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=1وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) ، [ سُورَةُ الْعَصْرِ : 1 ، 2 ] ، وَكَمَا قَالُوا : " كَثُرَ الدِّرْهَمُ فِي أَيْدِي النَّاسِ " .
[ ص: 234 ]
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ : " تَمَامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا " ، وَذَلِكَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَذَلِكَ ، يُؤَيِّدُ قَوْلَ
مُجَاهِدٍ .
وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ ، كَانَ قَوْلُهُ : " أَحْسَنَ " ، فِعْلًا مَاضِيًا ، فَيَكُونُ نَصْبُهُ لِذَلِكَ .
وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " أَحْسَنَ " فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ ، غَيْرَ أَنَّهُ نُصِبَ إِذْ كَانَ " أَفْعَلَ " ، وَ " أَفْعَلَ " ، لَا يَجْرِي فِي كَلَامِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَبِأَيِ شَيْءٍ خُفِضَ ؟
قِيلَ : رَدًّا عَلَى " الَّذِي " ، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَا يَرْفَعُهُ فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ : ثُمَّ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ ، ثُمَّ حَذَفَ " هُوَ " ، وَجَاوَرَ " أَحْسَنَ " " الَّذِي " ، فَعُرِّبَ بِتَعْرِيبِهِ ، إِذْ كَانَ كَالْمَعْرِفَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ " الْأَلِفَ وَاللَّامَ " لَا يَدْخُلَانِهِ ، " وَالَّذِي " مِثْلُهُ ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : " مَرَرْتُ بِالَّذِي خَيْرٍ مِنْكَ ، وَشَرٍّ مِنْكَ " ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ :
إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلُ الْحَلَمْ مَسَّى بِأَسْلَابِكُمُ أَهْلَ الْعَلَمْ
[ ص: 235 ] فَأَتْبَعَ " مِثْلَ " " الَّذِي " ، فِي الْإِعْرَابِ . وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ ، لَمْ يَقُلْ : مَرَرْتُ " بِالَّذِي عَالِمٍ " ؛ لِأَنَّ " عَالِمًا " نَكِرَةٌ ، " وَالَّذِي " مَعْرِفَةٌ ، وَلَا تَتْبَعُ نَكِرَةٌ مَعْرِفَةً .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ " ،
مُوسَى ، فِيمَا امْتَحَنَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14173 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، فِيمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ .
14174 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، قَالَ : مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا ، تَمَّمَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ .
14175 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، يَقُولُ : مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا ، تَمَّتْ عَلَيْهِ كَرَامَةُ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ .
وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الرَّبِيعُ ، يَكُونُ " أَحْسَنَ " ، نَصْبًا ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ ، وَ " الَّذِي " بِمَعْنَى " مَا " وَكَأَنَّ الْكَلَامَ حِينَئِذٍ : ثُمَّ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى مَا أَحْسَنَ
مُوسَى أَيْ : آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ لِأُتَمِّمَ لَهُ كَرَامَتِي فِي الْآخِرَةِ ، تَمَامًا عَلَى إِحْسَانِهِ فِي الدُّنْيَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَالْقِيَامِ بِمَا كَلَّفَهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ .
[ ص: 236 ]
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ : مَعْنَاهُ : ثُمَّ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى إِحْسَانِ اللَّهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
14176 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) ، قَالَ : تَمَامًا مِنَ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ الَّذِي أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَهَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ ، وَآتَاهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ تَمَامًا ، لِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَإِحْسَانِهِ .
" وَأَحْسَنَ " عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا ، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ ، " وَالَّذِي " عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ
الرَّبِيعُ ، بِمَعْنَى : " مَا " .
وَذُكِرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ : " تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ " رَفْعًا بِتَأْوِيلٍ : عَلَى الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ .
14177 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12074الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَجَّاجُ ، عَنْ
هَارُونَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17344يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَجْهٌ صَحِيحٌ ، لِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةً مِنْ قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ ، قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : ثُمَّ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا لِنَعَمِنَا عِنْدَهُ ، عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ
مُوسَى فِي قِيَامِهِ بِأَمْرِنَا وَنَهْيِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ فِي الْكَلَامِ ، وَأَنَّ إِيتَاءَ
مُوسَى كِتَابَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمِنَّةٌ عَظِيمَةٌ . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَنْعَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ لِمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ صَالِحِ عَمَلٍ وَحُسْنِ طَاعَةٍ .
[ ص: 237 ]
وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ ، كَانَ الْكَلَامُ : ثُمَّ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَّا أَوْ : ثُمَّ آتَى اللَّهُ
مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ .
وَفِي وَصْفِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسَهُ بِإِيتَائِهِ الْكِتَابَ ، ثُمَّ صَرَفَهُ الْخَبَرُ بِقَوْلِهِ : " أَحْسَنَ " ، إِلَى غَيْرِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ بِقُرْبِ مَا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ غَيْرُ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ .
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ
مُجَاهِدٍ مِنْ تَوْجِيهِهِ " الَّذِي " إِلَى مَعْنَى الْجَمِيعِ ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ . بَلْ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بِالَّذِي اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ أَشْبَهُ . وَإِذَا تُنُوزِعَ فِي تَأْوِيلِ الْكَلَامِ ، كَانَ أَوْلَى مَعَانِيهِ بِهِ أَغْلَبَهُ عَلَى الظَّاهِرِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَقْلِ أَوِ الْخَبَرِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) ، فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَتَبْيِينًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ .
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا : ثُمَّ آتَيْنَا
مُوسَى التَّوْرَاةَ تَمَامًا لِنِعَمِنَا عِنْدَهُ وَأَيَادِينَا قِبَلَهُ ، تَتِمُّ بِهِ كَرَامَتُنَا عَلَيْهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَطَاعَتِهِ رَبَّهُ وَقِيَامِهِ بِمَا كَلَّفَهُ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ ، وَتَبْيِينًا لِكُلِّ مَا بِقَوْمِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ ، كَمَا : -
14178 - حَدَّثَنِي
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : ( وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) ، فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ .