الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا استئناف ثان ، انتقل به من التنويه بسعة علم الله تعالى وأنه لا يعجزه أن يوحي إلى رسوله بعلم كل ما يسأل عن الإخبار به . إلى إعلامهم بأن الرسول لم يبعث للإخبار عن الحوادث الماضية والقرون الخالية . ولا أن من مقتضى الرسالة أن يحيط علم الرسول بالأشياء فيتصدى للإجابة عن أسئلة تلقى إليه ، ولكنه بشر علمه كعلم البشر أوحى إليه بما شاء إبلاغه عباده من التوحيد والشريعة . ولا [ ص: 55 ] علم له إلا ما علمه ربه كما قال تعالى قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي . فالحصر في قوله إنما أنا بشر مثلكم قصر الموصوف على الصفة وهو إضافي للقلب . أي ما أنا إلا بشر لا أتجاوز البشرية إلى العلم بالمغيبات .

وأدمج في هذا أهم ما يوحى إليه وما بعث لأجله وهو توحيد الله والسعي لما فيه السلامة عند لقاء الله تعالى . وهذا من رد العجز على الصدر من قوله في أول السورة لينذر بأسا شديدا من لدنه إلى قوله إن يقولون إلا كذبا . وجملة يوحى إلي مستأنفة . أو صفة ثانية لـ " بشر " 0 . و ( أنما ) مفتوحة الهمزة أخت إنما المكسورة الهمزة وهي مركبة من ( أن ) المفتوحة الهمزة و ( ما ) الكافة كما ركبت إنما المكسورة الهمزة فتفيد ما تفيده ( أن ) المفتوحة من المصدرية ، وما تفيده إنما من الحصر ، والحصر المستفاد منها هنا قصر إضافي للقلب .

والمعنى : يوحي الله إلي توحيد الإله وانحصار وصفه في صفة الوحدانية دون المشاركة .

وتفريع فمن كان يرجو لقاء ربه هو من جملة الموحى به إليه . أي يوحى إلي بوحدانية الإله وبإثبات البعث وبالأعمال الصالحة .

فجاء النظم بطريقة بديعة في إفادة الأصول الثلاثة ، إذ جعل التوحيد أصلا لها وفرع عليه الأصلان الآخران ، وأكد الإخبار بالوحدانية بالنهي عن الإشراك بعبادة الله تعالى . وحصل مع ذلك رد العجز على الصدر وهو أسلوب بديع .

التالي السابق


الخدمات العلمية