الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وإن جنى على سيده أو أجنبي ، فعليه فداء نفسه مقدما على الكتابة ، وقال أبو بكر : يتحاصان ، وإن عتق ، فعليه فداء نفسه ، وإن عجز ، فلسيده تعجيزه إن كانت الجناية عليه ، وإن كانت على أجنبي ، ففداه سيده ، وإلا فسخت الكتابة وبيع في الجناية ، وإن أعتقه السيد ، فعليه فداؤه ، والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ، وقيل : يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة ، وإن لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته يتبع بها بعد العتق .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه ) أي : إذا جنى المكاتب جناية موجبة للمال ، تعلق أرشها برقبته ، وقال قوم : جنايته على سيده ، وقال آخرون : يرجع بها سيده ، فعلى الأول ، يبدأ بأداء الجناية ( مقدما على الكتابة ) سواء حل نجم أو لا ، نص عليه ; لأن جنايته تقدم على حق الملك إذا كان قنا ، فعلى حقه في المكاتب أولى ( وقال أبو بكر : يتحاصان ) لأنهما اشتركا في الاستحقاق ، فتساويا ، وكذا إن أقر بجناية ( وإن عتق ، فعليه فداء نفسه ) أي : إذا أدى مبادرا ، وليس محجورا عليه ، عتق ، واستقر الفداء ، ويكون الأرش في ذمته ، فيضمن ما كان عليه قبل العتق ، ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ، وإن عتقه السيد ، فعليه فداؤه ; لأنه أتلف محل الاستحقاق ، أشبه ما لو قتله ( وإن عجز ، فلسيده تعجيزه إن كانت الجناية عليه ) لأن الأرش حق له ، فكان له تعجيزه إذا عجز عنه كمال الكتابة ( وإن كانت على أجنبي ، ففداه سيده ) لأنه لو كان عبدا لملك ، فداه ، فكذا هنا ( وإلا ) أي : وإن لم يفده ( فسخت [ ص: 357 ] الكتابة وبيع في الجناية ) قنا ، نقله ابن منصور ; لأن حق المجني عليه مقدم على حق السيد ; لأن أرش الجناية يتعلق بعتق المكاتب بخلاف السيد ، فإن حقه متعلق بالذمة ، ونقل الأثرم : جنايته في رقبته يفديه إن شاء ، قال أبو بكر : وبه أقول ( وإن أعتقه السيد ، فعليه فداؤه ) أي : على السيد فداء الجاني ; لأنه فوت تسليم الرقبة إلى المجني عليه ، فكان عليه فداؤه ، كما لو قتله ( والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ) لأن الأقل إن كان القيمة ، فهو لا يستحق إلا الرقبة والقيمة بدل عنها ; لأن حقه في المالية لا العين ، وإن كان الأقل أرش الجناية ، فهو لا يستحق أكثر منها ; لأن الإنسان لا يستحق أكثر مما جني عليه ، وعنه : جنايته على أجنبي ، وعنه : وسيده بالأرش كله ( وقيل : يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة ) لأنه تعذر تسليمه إلى المجني عليه ، أشبه ما لو جنى عبده غير الجاني ، وامتنع من تسليمه .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : إذا جنى على سيده ، فيما دون النفس عمدا ، فلسيده القصاص ، فإن عفي على مال ، أو كانت موجبة له ، وجب ; لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي ، ويفدي نفسه بما ذكرنا ، فإن اختار السيد تأخير الأرش ، وتقديم مال الكتابة جاز ، ويعتق إذا أدى ، خلافا لأبي بكر ، وحكم ورثة السيد مع المكاتب حكم سيده معه ، فإن جنى جنايات استوفيت كلها ، فإن كان بعضها موجبا للقصاص ، فلوليه الاستيفاء ، ويبطل حقوق الآخرين ، فإن عفي إلى مال ، فكجناية المال ، فإن أعتقه السيد ، أو فداه ، لزمه الأقل من قيمته ، أو أرشها مجتمعة على الأشهر ( وإن لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته ) لا رقبته ، ومقدمها محجور عليه لعدم تعلقها برقبته ، فلهذا إن لم يكن بيده مال ، فليس لغريمه تعجيزه بخلاف الأرش ، ودين [ ص: 358 ] الكتابة ( يتبع بها بعد العتق ) أي : إذا عجز عنها ; لأن ذلك حال يساره ، وعنه : ويتعلق برقبته ، قال في المحرر : وهو أصح عندي ، فيتساوى الإقدام ، ويملك تعجيزه ، ويشترك رب الدين والأرش بعد موته لفوت الرقبة ، وقيل : يقدم دين المعاملة ، ولغير المحجور تقديم أي دين شاء ، وذكر ابن عقيل وغيره : أنه بعد موته هل يقدم دين الأجنبي على السيد كحالة الحياة ، أم يتحاصان ؛ فيه روايتان ، وهل يتصرف سيده بدين معاملة مع غريم ؛ فيه وجهان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية