الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم باب إيقاع الطلاق ( الطلاق على ضربين : صريح ، وكناية . فالصريح قوله : أنت طالق ومطلقة وطلقتك فهذا يقع به الطلاق الرجعي ) لأن هذه الألفاظ تستعمل في الطلاق ولا تستعمل في غيره فكان صريحا [ ص: 4 ] وأنه يعقب الرجعة بالنص [ ص: 5 ] ( ولا يفتقر إلى النية ) لأنه صريح فيه لغلبة الاستعمال ، وكذا إذا نوى الإبانة [ ص: 6 ] لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة فيرد عليه .

ولو نوى الطلاق عن وثاق لم يدن في القضاء لأنه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله . ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدن في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لأن الطلاق لرفع القيد وهي غير مقيدة بالعمل . وعن أبي حنيفة أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخليص . [ ص: 7 ] ولو قال : أنت مطلقة بتسكين الطاء لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها غير مستعملة فيه عرفا فلم يكن صريحا .

[ ص: 3 ]

التالي السابق


[ ص: 3 ] ( باب إيقاع الطلاق )

ما تقدم كان ذكر الطلاق نفسه وأقسامه الأولية السني والبدعي وإعطاء لبعض أحكام تلك الكليات ، وهذا الباب لبيان أحكام جزئيات لتلك الكليات ، فإن المورد فيه خصوص ألفاظ كأنت طالق ومطلقة وطلاق لإعطاء أحكامها هكذا أو مضافة إلى بعض المرأة وإعطاء حكم الكلي وتصويره قبل الجزئي منزل منزلة تفصيل يعقب إجمالا ، فظهر أن المراد باب بيان أحكام ما به الإيقاع والوقوع ، لا أنه أراد المعنى المصدري الذي لا تحقق له خارجا ( قوله فالصريح أنت طالق إلخ ) ظاهر الحمل يفيد أن لا صريح سوى ذلك وليس بمراد ، فسيذكر منه التطليق بالمصدر ، ولفظ الكنز : كأنت طالق ومطلقة وطلقتك أحسن لإشعار الكاف بعدم الحصر ، وعلى هذا لا يصح ضبط الصريح بأنه ما اجتمع به ( ط ل ق ) بصيغة التفصيل لا الأفعال إلا أن يقال الوقوع بالمصدر لتأوله بطالق .

( قوله فكان صريحا ) فإن ما غلب استعماله في معنى بحيث يتبادر حقيقة أو مجازا صريح ، فإن لم يستعمل في غيره فأولى بالصراحة فلذا رتب الصراحة في هذه الألفاظ بقوله فكان صريحا على الاستعمال في معنى الطلاق دون غيره ، إلا أن في قوله في تعليل عدم افتقارها إلى النية لأنه صريح لغلبة الاستعمال تدافعا لأن الموصوف [ ص: 4 ] بالغلبة هنا هو ما وصفه بعدم الاستعمال في غيره ، والغلبة في مفهومها الاستعمال في الغير قليلا للتقابل بين الغلبة والاختصاص ، وزاد الشافعية في الصريح لفظي التسريح والفراق لورودهما في القرآن للطلاق كثيرا .

قلنا : المعتبر تعارفهما في العرف العام في الطلاق لا استعمالهما شرعا مرادا هو بهما ( قوله وأنه يعقب الرجعة ) ذكر للصريح حكمين : كونه يعقب الرجعة وعدم احتياجة إلى نية .

أما الأول فمقيد بما إذا لم يعرص عارض تسمية مال أو ذكر وصف على ما سيأتي . وقد يقال الصريح هو المقتصر عليه من ذلك فلا حاجة إلى القيد ، واستدل عليه بالنص وهو قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } بعد صريح طلاقه المفاد بقوله تعالى { والمطلقات يتربصن } فعلم أن الصريح يستعقبها للإجماع . على أن المراد بالبعولة في الآية المطلقون صريحا كان أو مجازا غير متوقف على إثبات كون المطلق رجعيا بعلا حقيقة فلا حاجة إلى إثباته في ذلك . وأما قولهم سماه بعلا فعلم أن الطلاق الرجعي لا يبطل الزوجية ، ثم إيراد أن حقيقة الرد يدل على زوال الملك فلا يكون زوجا إلا مجازا ، وجعله حقيقة يتوقف على التجوز بلفظ الرد وليس هو بأولى من قلبه . ثم الجواب عنه بمنع تصور كون الرد حقيقة بعد زوال الملك .

بل قد يقال أيضا بعد انعقاد سبب زواله معلقا بمتعلق الملك على معنى منع السبب من تأثير زوال الملك عنه كقولنا رد البائع المبيع في البيع الذي فيه خيار شرط للبائع ، فإن معناه : رد المبيع عن أن يخرج عن ملكه عند مضي المدة بفسخ السبب في الحال ، وذلك لأنه لم يخرج عن ملكه ، كما يقال متعلقا به بعد تأثير السبب كما في رد المشتري المبيع بالعيب : يعني إلى قديم الملك الزائل فإنما يحتاج إليه لإثبات بحث آخر على أن كونه في الأول حقيقة مما يمنعه الخصم ، ويدل عليه قوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإنه أعقبه الرجعة التي هي المراد بالإمساك وهو الأنسب بقول المصنف وأنه يعقب الرجعة بالنص ، وذلك لأن الإمساك استدامة القائم لا إعادة الزائل ، فدل على إبقاء النكاح بعد الرجعي وهو المطلوب الآخر ، وأما الثاني وهو كونه لا يفتقر إلى النية فنقل فيه إجماع الفقهاء .

إلا داود فإنه لا يمنع أن يراد به الطلاق من غير قيد النكاح ، قلنا : هذا احتمال يعزب إخطاره عند خطاب المرأة به عن النفس فلا عبرة به فصار اللفظ بمنزلة المعنى . وحديث ابن عمر حيث أمره بالمراجعة ولم يسأله أنوى أم لا ؟ يدل على ذلك ، فإن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال كالعموم في المقال ، ولا يخفى أن قرائن إرادة الإيقاع قائمة فيما فعل ابن عمر من الاعتزال والترك لها حتى فهم ذلك منه ، ودلالة إطلاق قوله تعالى { الطلاق مرتان } ونحوه اعتبار عدم النية أبعد ، ثم قولنا لا يتوقف على النية معناه إذا لم ينو شيئا أصلا يقع لا أنه يقع وإن نوى شيئا آخر ، لما ذكر أنه إذا نوى الطلاق عن وثاق صدق ديانة لا قضاء ، وكذا عن العمل في رواية كما سيذكر ، ولا بد من القصد بالخطاب بلفظ الطلاق عالما بمعناه أو بالنسبة إلى الغائبة كما يفيده فروع : هو أنه لو كرر مسائل الطلاق بحضرة زوجته ويقول : أنت طالق ولا ينوي طلاقا لا تطلق ، وفي متعلم يكتب ناقلا من كتاب رجل قال : ثم وقف وكتب امرأتي طالق وكلما كتب قرن الكتابة بالتلفظ بقصد الحكاية لا يقع عليه .

ولو قال لقوم تعلمت ذكرا بالفارسية فقولوه معي فقال : رن من بسه طلاق فقالوه لم يحكم عليهم بالحرمة ، وكذا لو لم يعتقدوه ذكرا واعتقدوه شيئا آخر ، كذا نقل من فتاوى المنصوري . وما في الخلاصة : لو لقنت المرأة زوجت نفسي من فلان بالعربية ولم تعرف معناه بحضرة الشهود وهم يعلمون معناه أو لا يعلمون صح النكاح كالطلاق ، [ ص: 5 ] وقيل لا كالبيع يقتضي عدم الخلاف في الوقوع في مسألة الذكر ، وفيها في الجنس الأول من مقدمة كتاب الطلاق طلاق الهازل وطلاق الرجل الذي أراد أن يتكلم فسبق لسانه بالطلاق واقع .

وفي النسفي قال أبو حنيفة : لا يجوز الغلط في الطلاق ، وهو ما إذا أراد أن يقول اسق فسبق لسانه بالطلاق ولو كان بالعتاق يدين ، وقال أبو يوسف : لا يجوز الغلط فيهما .

وفي الخلاصة أيضا : قالت لزوجها : اقرأ علي اعتدي أنت طالق ثلاثا ففعل طلقت ثلاثا في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعلم الزوج ولم ينو ، وهذا يوافق ما في المنصوري ، ويخالف مقتضى ما ذكره آنفا من مسألة التلقين بالعربية ، والذي يظهر من الشرع أن لا يقع بلا قصد لفظ الطلاق عند الله تعالى ، وقوله فيمن سبق لسانه واقع : أي في القضاء ، وقد يشير إليه قوله ولو كان بالعتاق يدين ، بخلاف الهازل لأنه مكابر باللفظ فيستحق التغليظ ، وسيذكر في أنت طالق إذا نوى به الطلاق من الوثاق يدين فيما بينه وبين الله تعالى مع أنه أصرح صريح في الباب ثم لم يعارض ذلك قوله ولا يحتاج إلى النية لأن المعنى لا يحتاج إلى النية : يعني اللفظ بعد القصد إلى اللفظ .

والحاصل أنه إذا قصد السبب عالما بأنه سبب رتب الشرع حكمه عليه أراده أو لم يرده إلا إن أراد ما يحتمله . وأما أنه إذا لم يقصده أو لم يدر ما هو فيثبت الحكم عليه شرعا وهو غير راض بحكم اللفظ ولا باللفظ فمما ينبو عنه قواعد الشرع ، وقد قال تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وفسر بأمرين : أن يحلف على أمر يظنه كما قال مع أنه قاصد للسبب عالم بحكمه فإلغاؤه لغلطه في ظن المحلوف عليه ، والآخر أن يجري على لسانه بلا قصد إلى اليمين كلا والله بلى والله ، فرفع حكمه الدنيوي من الكفارة لعدم قصده إليه ، فهذا تشريع لعباده أن لا يرتبوا الأحكام على الأسباب التي لم تقصد ، وكيف ولا فرق بينه وبين النائم عند العليم الخبير من حيث إنه لا قصد له إلى اللفظ ولا حكمه وإنما لا يصدقه غير العليم وهو القاضي .

وفي الحاوي معزوا إلى الجامع الأصغر أن أسدا سأل عمن أراد أن يقول : زينب طالق فجرى على لسانه عمرة على أيهما يقع الطلاق ، فقال في القضاء : تطلق التي سماها ، وفيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق واحدة منهما ، أما التي سماها فلأنه لم يردها ، وأما غيرها فلأنها لو طلقت طلقت بمجرد النية فهذا صريح .

وأما ما روى عنهما نصير من أن من أراد أن يتكلم فجرى على لسانه الطلاق يقع ديانة وقضاء فلا يعول عليه ( قوله وكذا إذا نوى الإبانة ) أي بالصريح يقع رجعيا وتلغو نيته [ ص: 6 ] لأنه قصد باللفظ تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة ) عند وجوده بقوله تعالى { إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } والإجماع على ذلك ( فيرد عليه ) لأنه استعجل ما أخر الشرع كما رد إرث الوارث بالقتل لاستعجاله فيه ( قوله ولو نوى الطلاق ) أي بقوله : أنت طالق ( عن وثاق لم يدن في القضاء لأنه خلاف الظاهر ) إلا أن يكون مكرها . ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمله ( ولو نوى به الطلاق عن العمل لم يدن في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى ) لأنه لا يحتمله لأن الطلاق لرفع القيد وهي ليست مقيدة بالعمل فلا يكون محتمل اللفظ .

وعن أبي حنيفة يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يستعمل للتخلص فكأنه قال : أنت متخلصة عن العمل ، ولو صرح فقال : أنت طالق من هذا العمل صدق ديانة لا قضاء على الأول لأنه يظن أنه طلق ثم وصل [ ص: 7 ] لفظ العمل استدراكا ، بخلاف ما لو وصل لفظ الوثاق حيث يصدق قضاء لأنه يستعمل فيه قليلا ، وكل ما لا يدينه القاضي إذا سمعته منه المرأة أو شهد به عندها عدل لا يسعها أن تدينه لأنها كالقاضي لا تعرف منه إلا الظاهر ( قوله ولو قال : أنت مطلقة بتسكين الطاء لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنها ) أي لفظة مطلقة غير مستعملة فيه : أي في الطلاق بالمعنى الشرعي عرفا بل في الانطلاق عن القيد الحسي فلم يكن صريحا فيه فيتوقف على النية .



[ فروع ]

لو قال لها : يا مطلقة بالتشديد أو يا طالق وقع ، ولو قال : أردت الشتم لم يصدق لأن النداء استحضار بالوصف الذي تضمنه اللفظ إذا كان يمكنه إثباته بذلك اللفظ ، بخلاف قوله يا ابني لعبده . ولو كان لها زوج طلقها قبل فقال : أردت ذلك الطلاق صدق ديانة باتفاق الروايات وقضاء في رواية أبي سليمان وهو حسن ، وينبغي على قياس ما في العتق لو سماها طالقا ، ثم ناداها به لا تطلق .

وقد روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عيينة عن خيثمة بن عبد الرحمن أن امرأة قالت لزوجها : سمني فسماها الطيبة فقالت : ما قلت شيئا فقال : هات ما أسميك به فقالت : سمني خلية طالق قال : فأنت خلية طالق فجاءت إلى عمر فقالت له : إن زوجي طلقني فجاء زوجها فقص القصة فأوجع عمر رأسها وقال له : خذ بيدها وأوجع رأسها ، ولو قال : طلقتك أمس وهو كاذب كان طلاقا في القضاء ولو قال : فلانة طالق ولم ينسبها أو نسبها إلى أبيها أو أمها أو أختها أو ولدها وامرأته بذلك الاسم والنسب فقال : عنيت أخرى أجنبية لا يصدق في القضاء ، بخلاف الإقرار لفلان بن فلان إذا ادعى ذلك من اسمه ونسبه ذلك لا يلزمه الإعطاء ويحلف ما له عليه هذا المال لا ما هو فلان بن فلان .

ولو قال : هذه المرأة التي عنيت امرأتي وصدقته في ذلك وقع الطلاق عليها ولم يصدق في إبطال الطلاق عن المعروفة إلا أن يشهد الشهود على نكاحها قبل أن يتكلم بالطلاق أو على إقرارهما به قبل ذلك أو تصدقه المرأة المعروفة ، كذا في الكافي للحاكم . ولو قال : امرأتي فلانة بنت فلان طالق وسماها بغير اسمها لا تطلق امرأته إلا بالنية . وعلى هذا لو حلف لدائنه فقال : إن خرجت من البلدة قبل أن أقضيك حقك فامرأتي فلانة طالق واسم امرأته غيره لا تطلق إذا خرج قبله .

ولو قال لإحدى نسائه : يا زينب فأجابته زوجته عمرة فقال : أنت طالق طلقت المجيبة . ولو قال : أردت زينب طلقتا هذه بالإشارة وتلك بالإقرار . هذا في القضاء . أما فيما بينه وبين الله تعالى فإنما يقع على التي قصدها ذكره في البدائع . ولو قال : أنت زينب فقالت : عمرة : نعم فقال : إذن أنت طالق لا تطلق . ولو قال : عليك الطلاق أو لك اعتبرت النية . ولو قال : قولي أنا طالق لا تطلق حتى تقولها .

ولو كان له امرأتان اسمهما واحد ونكاح إحداهما فاسد فقال : فلانة طالق وقال : عنيت التي نكاحها فاسد لا يصدق في القضاء . وكذا لو قال : إحداكما أو إحدى امرأتي طالق ، ويقع أيضا بالتهجي كأنت ط ا ل ق ، وكذا لو لو قيل له : طلقتها فقال : ن ع م إذا نوى صرح بقيد النية في البدائع ، ولا يقع بأطلقك إلا إذا غلب في الحال ، ولو قالت أنت طالق فقال : نعم طلقت . ولو قال له في جواب طلقني لا تطلق وإن نوى . ولو قيل له : ألست طلقتها فقال : بلى طلقت أو نعم لا تطلق .

والذي ينبغي عدم الفرق ، فإن أهل العرف لا يفرقون بل يفهمون منهما إيجاب المنفي ولو قال : خذي طلاقك فقالت : أخذت اختلف في اشتراط النية وصحح الوقوع بلا اشتراطها ، ويقع بطلقك الله أطلقها في النوازل مرة ثم أعادها وشرح النية وهو الحق ، .



وأما المصحف فهو خمسة ألفاظ : تلاق ، وتلاغ ، [ ص: 8 ] وطلاغ ، وطلاك ، وتلاك . ويقع به في القضاء ولا يصدق إلا إذا أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال : امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا أطلق فأقول هذا ويصدق ديانة ، وكان ابن الفضل يفرق أولا بين العالم والجاهل وهو قول الحلواني ، ثم رجع إلى هذا وعليه الفتوى . ولو قال : نساء أهل الدنيا أو الري طوالق وهو من أهل الري لا تطلق امرأته إلا إن نواها ، رواه هشام عن أبي يوسف وعليه الفتوى .

وعن محمد روايتان . ولا فرق بين ذكر لفظ جميع وعدمه في الأصح . وفي نساء أهل السكة أو الدار وهو من أهلها ونساء هذا البيت وهي فيه تطلق . ونساء أهل القرية منهم من ألحقها بالدار ، ومنهم من ألحقها بالمصر .

ولو قال : طلاقك علي لا يقع ، ولو زاد فرض أو واجب أو لازم أو ثابت قيل تطلق رجعية نوى أو لا ، وقيل : لا يقع وإن نوى ، وقيل في قول أبي حنيفة يقع ، وفي قولهما لا يقع في واجب ويقع في لازم ، وقيل : بل في قول أبي يوسف يرجع في ذلك كله إلى نيته ، وقيل يقع في واجب للتعارف به ، وفي الثلاثة لا يقع وإن نوى لعدم التعارف . وفي الفتاوى الكبرى للخاصي : المختار أنه يقع في الكل لأن الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه ، وحكمه لا يجب ولا يثبت إلا بعد الوقوع ، وفرق بينه وبين العتاق ، وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء ، ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه وفيما بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع وإلا لا ، فإنه قد يقال هذا الأمر علي واجب بمعنى ينبغي أن أفعله لا أني فعلته فكأنه قال : ينبغي أن أطلقك ، وقد تعورف في عرفنا في الحلف الطلاق يلزمني لا أفعل كذا : يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع ، فيجب أن يجري عليهم لأنه صار بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق ، وكذا تعارف أهل الأرياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل ، ولو قال : طال بلا قاف يقع ، قيل : لأنه ترخيم وهو غلط ، إذ الترخيم اختيارا في النداء ، وفي غيره إنما يقع اضطرارا في الشعر ولو قال : أنت بثلاث وقعت ثلاث إن نوى لأنه نوى ما يحتمله لفظه ، ولو قال : لم أنو لا يصدق إذا كان في حال مذاكرة الطلاق لأنه لا يحتمل الرد وإلا صدق ، ومثله بالفارسة توبسه على ما هو المختار للفتوى خلافا للصفار .

ولو قال : أنت أطلق من فلانة وفلانة مطلقة أو غير مطلقة ، فإن عني به الطلاق وقع وإلا فلا لأنه نوى ما يحتمله لفظه ، والمعنى عند عدم كونها مطلقة لأجل فلانة لأن أفعل التفضيل ليس صريحا ، وهذا بخلاف ما إذا قالت له مثلا : فلان طلق زوجته فقال : لها ذلك فإنه يقع وإن لم ينو ، وكذا لو قال : أنت أزنى من فلانة لا يحد لأنه ليس صريحا في القذف .

وعن محمد فيمن قال لامرأته : كوني طالقا أو اطلقي يقع لأن قوله كوني ليس أمرا حقيقة لعدم تصور كونها طالقا منها بل عبارة عن إثبات كونها طالقا لقوله تعالى { كن فيكون } ليس أمرا بل كناية عن التكوين وكينونتها طالقا يقتضي إيقاعا قبل فيتضمن إيقاعا سابقا ، وكذا قوله اطلقي ومثله قوله للأمة : كوني حرة .




الخدمات العلمية