الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر ما يخصهم أتبعه ما يشاركون فيه سائر الحيوانات؛ فقال: والله ؛ أي: الذي له الجلال والإكرام؛ جعل لكم ؛ أي: من غير حاجة منه - سبحانه -؛ مما خلق ظلالا ؛ من الأشجار؛ والجبال؛ وغيرها؛ وجعل لكم ؛ أي: مع غناه المطلق؛ من الجبال أكنانا ؛ جمع "كن"؛ وهو ما يستكن به - ؛ أي: يستتر - من الكهوف؛ ونحوها؛ ولو كان الخالق غير مختار؛ لكانت على سنن واحد؛ لا ظلال؛ ولا أكنان; ثم أتبع ذلك ما هداهم إليه؛ عوضا مما جعله لسائر الحيوان؛ فقال: وجعل لكم ؛ أي: منا منه عليكم؛ سرابيل ؛ أي: ثيابا؛ تقيكم الحر ؛ وهي كل ما لبس؛ من قميص؛ وغيره؛ كما قال الزجاج.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت السرابيل نوعا واحدا؛ لم يكرر "جعل"؛ فقال (تعالى): وسرابيل ؛ أي: دروعا؛ ومغافر؛ وغيرها؛ تقيكم بأسكم ؛ أضافه إليهم إفهاما لأنه الحرب؛ وذلك كما جعل لبقية الحيوان - من الأصواف؛ ونحوها؛ والأنياب؛ والأظفار؛ ونحوها - ما هو نحو ذلك؛ يمنع [ ص: 227 ] من الحر؛ والبرد؛ ومن سلاح العدو؛ ولم يذكر - سبحانه - هنا وقاية البرد لتقدمها في قوله (تعالى): "لكم فيها دفء"؛ ولما تم ذلك كان كأنه قيل: نبهنا - سبحانه - بهذا الكلام على تمام نعمة الإيجاد؛ فهل بعدها من نعمة؟ فقال: نعم؛ كذلك ؛ أي: كما أتم نعمة الإيجاد عليكم هذا الإتمام العظيم بهذه الأمور؛ ونبهكم عليها؛ يتم نعمته عليكم ؛ في الدنيا والدين؛ بالهداية؛ والبيان لطريق النجاة؛ والمنافع؛ والتنبيه على دقائق ذلك؛ بعد جلائله؛ لعلكم تسلمون ؛ أي: ليكون حالكم - بما ترون من كثرة إحسانه؛ بما لا يقدر عليه غيره؛ مع وضوح الأمر - حال من يرجى منه إسلام قياده لربه؛ فلا يسكن؛ ولا يتحرك؛ إلا في طاعته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية