الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          البشارة الثانية: وهي قوله تعالى: وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما وكيف تكون هذه بشارة لأهل الإيمان؟ الجواب عن ذلك: أن البشارة بالنجاة منها، وأنهم لم يتردوا تردية الذين لا يؤمنون بالآخرة، بل وقاهم الله تعالى، وبذلك يتبين أن ذكر عذاب الذين لا يؤمنون جاء تبعا لإيمان الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

                                                          ونذكر هنا أمرين يتعلقان ببيان الذكر الحكيم:

                                                          الأمر الأول: قوله تعالى: وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة معطوف على قوله تعالى: أن لهم أجرا كبيرا فالباء مقدرة في قوله: وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أي وبأن الذين لا يؤمنون، فالبشارة لأهل الإيمان ابتداء، وهي تتضمن الإيذاء للكافرين، فهي قد اشتملت على التبشير والإنذار، ويبدو أن ما سبق له القول هو التبشير، والإنذار جاء بالتضمن.

                                                          الأمر الثاني: أنه سبحانه وصف الكافرين بأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فلم يذكر شركهم وفسادهم وفتنتهم للمؤمنين مع أن هذه جرائم الكفر، والجواب عن ذلك أنه ذكر السبب، وذكر السبب ذكر للمسبب، ذلك أن كفر الكافرين وشركهم وعنادهم، وفتنتهم المؤمنين، وغوايتهم، سبب ذلك كله أنهم لا يؤمنون بالبعث [ ص: 4343 ] واليوم الآخر، ولو آمنوا به لاتجهوا إلى الحق كما اتجه المؤمنون، وقلنا: إن فيصل التفرقة بين قلب المؤمن وقلب الكافر، أن المؤمن سكن قلبه الإيمان بالغيب وما وراء الحس والمادة واليوم الآخر، أما قلب الكافر فلا يسكنه إلا المحسوس والمادة، فلا يؤمن باليوم الآخر.

                                                          وقد ذكر عذاب الكافرين، فقال سبحانه: أعتدنا لهم عذابا أليما أي هيأنا لهم عذابا أليما أي مؤلما، وهو عذاب الجحيم، وكان التنكير لتكبيره، وتهويلهم به، وإنه لصادق.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية