الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد ، صح ، ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم ، ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته ، يعتق بأدائها ، ويعجز بالعجز عنها وحده وقال أبو بكر : العوض بينهم على عددهم ، ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة ، فلو اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحد منهم ، فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه ، ويجوز أن يكاتب بعض عبده ، فإن أدى ، عتق كله وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه ، فإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر ، عتق كله إن كان الذي كاتبه موسرا ، وعليه قيمة حصة شريكه ، فإن أعتق الشريك قبل أدائه ، عتق عليه كله إن كان موسرا ، وعليه قيمة نصيب المكاتب ، وقال القاضي : لا يسري إلى نصيب المكاتب إلا أن يعجز ، فيقوم عليه حينئذ ، وإن كاتبا عبدهما ، جاز ، سواء كان على التساوي أو التفاضل ، ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي ، فإذا كمل أداؤه إلى أحدهما قبل الآخر ، عتق كله عليه ، وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه ، لم يعتق إلا أن يكون بإذن الآخر فيعتق ، ويحتمل أن لا يعتق .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد صح ) في قول أكثر أهل العلم ; لأن الكتابة بيع ، فصح عقدها على جماعة جملة واحدة بعوض واحد كالبيع ، وهذا بخلاف قول ثلاثة لبائع : اشتريت أنا زيدا ، وهذا عمرا ، وهذا بكرا بمائة درهم ( ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم ) يوم العقد ; لأنه حين المعاوضة ، ولأنه عوض ، فيقسط على المعوض ، كما لو اشترى شقصا وسيفا ، وكما لو اشترى عبيدا ، فرد واحد بعيب ( ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته يعتق بأدائها ويعجز بالعجز عنها وحده ) لأن الحصة بمنزلة الثمن المنقود ، فإن [ ص: 363 ] شرط عليهم في العقد أن كل واحد منهم ضامن عن الباقين ، فسد الشرط ، وصح العقد ، وعنه : صحة الشرط ، وفي الرعاية : غلبت فيها الصفة ، فتكون جائزة ، فإن مات أحدهم أو عتق ، سقط قدر حصته ، نص عليه ، فإن قال الأعلون قيمة : أدينا على قدر قيمتنا ، وقال الأدنون قيمة : بل على عددنا ، فالقول قول من يدعي التسوية إن جعل العوض بينهم على عددهم ، وإلا فوجهان ( وقال أبو بكر : العوض بينهم على عددهم ) وقال أبو بكر : يتوجه لأبي عبد الله أن العوض بينهم على عدد رؤوسهم ; لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة ، كما لو أقر لهم بشيء ( ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة ) واختاره ابن أبي موسى ; لأن الكتابة مقدر فيها قول السيد : متى أديتم فأنتم أحرار ، وفي المغني : الأول أصح ، والإقرار ليس بعوض ( فلو اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحد منهم ، فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه ) لأن الظاهر من حاله أداء ما وجب عليه ، فوجب قبول قوله فيه لاعتضاده بالظاهر ، ونقل ابن منصور : إذا كاتب على نفسه وولده ، ولم يعلم عدتهم ولم يسمهم ، فقد دخلوا في الكتابة أيضا ( ويجوز أن يكاتب بعض عبده ) لأنها معاوضة ، فصحت في بعضه كالبيع ، ويملك من كسبه بقدر ما كوتب عليه ، وفي الترغيب : يقسم كسبه بين سيده وبين مالك باقيه نصفين ، في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى : يوما له ويوما لمالك باقيه ، يعني إذا كاتب نصفه ( فإن أدى ، عتق كله ) لأنه إذا سرى فيه العتق إلى ملك غيره ، فإلى ملكه أولى ( وتجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إذن شريكه ) [ ص: 364 ] لأنها عقد معاوضة ، فجاز بغير إذن الشريك كالبيع ، وقال ابن حمدان : إن كان معسرا ، فلا بد من إذن شريكه ( فإذا أدى ما كوتب عليه ، ومثله لسيده الآخر ، عتق كله ، إن كان الذي كاتبه موسرا ) لأن بعضه يعتق بأداء الكتابة ، فيسري إلى نصيب الشريك ، كما لو باشر نصيبه بالعتق ( وعليه قيمة حصة شريكه ) لأنه فوت الحصة على مالكها لإتلافها بالعتق ، كما لو قتله ( فإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله ، إن كان موسرا ، وعليه قيمة نصيب المكاتب ) لقوله عليه السلام من أعتق شركا له في عبد وهذا داخل في عمومه ، ولأنه عتق لجزء من العبد من موسر غير محجور عليه ، فسرى إلى باقيه كالقن ، وفي كلام المؤلف : أنه يجب عليه قيمة حصة شريكه مكاتبا ; لأنه أتلفه ، وظاهره : أنه إذا كان معسرا عتق نصيبه وباقيه على الكتابة ، فإن عجز ، عاد الجزء المكاتب رقيقا ، إلا على رواية الاستسعاء ( وقال القاضي ) وأبو بكر : ( لا يسري إلى نصيب المكاتب ) لأنه قد انعقد للمكاتب سبب الولاء ، فلا يجوز إبطاله ( إلا أن يعجز فيقوم عليه حينئذ ) لأنه عاد قنا ، فلا يفضي إلى المحذور المذكور ( وإن كاتبا عبدهما ، جاز ، سواء كان على التساوي أو التفاضل ) لأنها عقد معاوضة ، فجاز من الشريكين متساويا ، ومتفاضلا كالبيع ( ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي ) يعني على قدر الملك ، فيتساويان في الأداء بغير خلاف نعلمه ، فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا ، لم يصح ، وللآخر أن يأخذ حصته إذا لم يكن أذن في القبض ، فإن أذن فيه ، فوجهان أصحهما : يصح ; لأن المنع لحقه ، فجاز بإذنه .

                                                                                                                          [ ص: 365 ] والثاني : لا ، اختاره أبو بكر ; لأن حقه في ذمته ، فلم يقع إذنه فيه ( فإذا كمل أداؤه إلى أحدهما قبل الآخر ، عتق كله عليه ) لأن نصيبه يعتق بالأداء ، فيسري إلى نصيب شريكه ( وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه ، لم يعتق ) لأن العتق لا يحصل بأداء مال الغير ( إلا أن يكون بإذن الآخر فيعتق ) لأن المكاتب محجور عليه لحق السيد ، فإذا أذن له ، صح الأداء ، وحينئذ يقع العتق لحصول الأداء الصحيح ( ويحتمل أن لا يعتق ) لأن حق السيد في ذمة المكاتب ، وما في يد المكاتب ملك له ، فإذا أذن السيد فيه لم ينفذ .




                                                                                                                          الخدمات العلمية