الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 92 ] فصل :

[ الفرق بين الشفعة وأخذ مال الغير ]

وأما قوله : " وحرم أخذ مال الغير إلا بطيب نفس منه ، ثم سلطه على أخذ عقاره وأرضه بالشفعة ثم شرع الشفعة فيما يمكن التخلص من ضرر الشركة فيه بالقسمة دون ما لا يمكن قسمته كالجوهرة والحيوان " فهذا السؤال قد أورده على وجهين : أحدهما : على أصل الشفعة وأن الاستحقاق بها مناف لتحريم أخذ مال الغير إلا بطيب نفس منه .

والثاني : أنه خص بعض المبيع بالشفعة دون بعض مع قيام السبب الموجب للشفعة ، وهو ضرر الشركة .

ونحن بحمد الله وعونه نجيب عن الأمرين ; فنقول : ورود الشرع بالشفعة دليل على الحكمة .

من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة ، ولا يليق بها غير ذلك ; فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن ، فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقاه على حاله ، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ، ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض شرع الله سبحانه رفع هذا الضرر : بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه ، وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك ; فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي ، وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان ; فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ، ويزول عنه ضرر الشركة ، ولا يتضرر البائع ; لأنه يصل إلى حقه من الثمن ، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد . ومن هنا يعلم أن التحيل لإسقاط الشفعة مناقض لهذا المعنى الذي قصده الشارع ومضاد له .

التالي السابق


الخدمات العلمية