الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1778 5 - باب إفراد الحج

                                                              98 \ 1704 - عن [عائشة] أنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين هلال ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال : من شاء أن يهل بحج فليهل، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة. قال موسى يعني ابن إسماعيل- في حديث وهيب : فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة -.

                                                              وقال في حديث حماد بن [ ص: 287 ] سلمة : وأما أنا فأهل بالحج، فإن معي الهدي - ثم اتفقوا- فكنت فيمن أهل بعمرة، فلما كان في بعض الطريق حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت : وددت أني لم أكن خرجت العام، قال : ارفضي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي - قال موسى وأهلي بالحج، وقال سليمان، يعني ابن حرب : واصنعي ما يصنع المسلمون في حجهم، فلما كان ليلة الصدر أمر - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن فذهب بها إلى التنعيم .

                                                              زاد موسى فأهلت بعمرة مكان عمرتها، وطافت بالبيت، فقضى الله تعالى عمرتها وحجها - قال هشام، يعني ابن عروة : ولم يكن في شيء من ذلك هدي.

                                                              زاد موسى في حديث حماد بن سلمة: فلما كانت ليلة البطحاء طهرت عائشة
                                                              .

                                                              وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: والأحاديث الصحيحة صريحة بأنها أهلت أولا بعمرة، ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاضت أن تهل بالحج، فصارت قارنة.

                                                              ولهذا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك متفق عليه، وهو صريح في رد قول من قال: إنها رفضت إحرام العمرة رأسا وانتقلت إلى الإفراد، وإنما أمرت برفض أعمال العمرة من الطواف والسعي حتى تطهر، لا برفض إحرامها.

                                                              [ ص: 288 ] وأما قوله : ولم يكن في شيء من ذلك هدي فهو مدرج من كلام هشام، كما بينه وكيع وغيره عنه، حيث فصل كلام عائشة من كلام هشام، وأما ابن نمير وعبدة فأدرجاه في حديثهما ولم يميزاه، والذي ميزه معه زيادة علم، ولم يعارضه غيره، فابن نمير وعبدة لم يقولا قالت عائشة: ولم يكن في شيء من ذلك هدي بل أدرجاه وميزه غيرهما.

                                                              وأما قول من قال: إنها أحرمت بحج ثم نوت فسخه بعمرة، ثم رجعت إلى حج مفرد، فهو خلاف ما أخبرت به عن نفسها، وخلاف ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لها: يسعك طوافك لحجك وعمرتك ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها أن تهل بالحج لما حاضت، كما أخبرت بذلك عن نفسها، وأمرها أن تدع العمرة وتهل بالحج. وهذا كان بسرف ( مكان قريب من مكة )، قبل أن يأمر أصحابه بفسخ حجهم إلى العمرة، فإنه إنما أمرهم بذلك على المروة.

                                                              وقوله: إنها أشارت بقولها: فكنت فيمن أهل بعمرة إلى الوقت الذي نوت فيه الفسخ في غاية الفساد فإن صريح الحديث يشهد ببطلانه، فإنها قالت: فكنت فيمن أهل بعمرة فلما كان في بعض الطريق حضت فهذا صريح في أنها حاضت بعد إهلالها بعمرة.

                                                              [ ص: 289 ] ومن تأمل أحاديثها علم أنها أحرمت أولا بعمرة، ثم أدخلت عليها الحج فصارت قارنة، ثم اعتمرت من التنعيم عمرة مستقلة تطييبا لقلبها.

                                                              وقد غلط في قصة عائشة من قال: إنها كانت مفردة، فإن عمرتها من التنعيم هي عمرة الإسلام الواجبة.

                                                              وغلط من قال: إنها كانت متمتعة، ثم فسخت المتعة إلى إفراد، وكأن عمرة التنعيم قضاء لتلك العمرة.

                                                              وغلط من قال: إنها كانت قارنة، ولم يكن عليها دم ولا صوم، وأن ذلك إنما يجب على المتمتع. ومن تأمل أحاديثها علم ذلك، وتبين له أن الصواب ما ذكرناه. والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية