الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وزاد الشيخان في آخره من حديث عروة البارقي الأجر والمغنم ، ولهما من حديث أنس البركة في نواصي الخيل .

                                                            باب اتخاذ الخيل .

                                                            التالي السابق


                                                            عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) اتفق عليه الشيخان من هذا الوجه ، وله طرق أخرى ، وهو في الصحيحين أيضا من حديث عروة البارقي ، وفي آخره الأجر والمغنم ، ورواه بهذه الزيادة مسلم أيضا من حديث جرير البجلي ، وفي [ ص: 234 ] الصحيحين من حديث أنس البركة في نواصي الخيل .

                                                            (الثانية) المراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قاله الخطابي ، وغيره قالوا وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس يقال فلان مبارك الناصية ، ومبارك الغرة أي الذات (قلت) ويمكن أنه أشير بذكر الناصية إلى أن الخير إنما هو في مقدمها للإقدام به على العدو دون مؤخرها للإدبار بها عن العدو ، والله أعلم ، ولا يخفى ما في الخيل والخير من الجناس ، وهذا من بليغ الكلام .

                                                            (الثالثة) فيه استحباب اتخاذ الخيل ، والمراد به ارتباطها للغزو وقتال العدو بدليل قوله في حديث عروة الأجر والمغنم ، ويدل لذلك حديث أبي هريرة في الصحيح الخيل ثلاثة هي لرجل وزر ، وهي لرجل ستر ، وهي لرجل أجر وقد تقدم الكلام عليه في كتاب الزكاة ، وأما الحديث الآخر أن الشؤم يكون في الفرس ، وهو في الصحيح فالمراد به غير الخيل المعدة للغزو ونحوه أو أن الخير والشؤم يجتمعان فيها فإنه يحصل الخير بالأجر والمغنم ، ولا يمتنع مع هذا أن يكون الفرس مما يتشاءم به فقد يحصل في الشيء النفع والضرر باعتبارين .

                                                            والجواب الأول أحسن ، ويرد الثاني قوله في حديث أنس البركة في نواصي الخيل فإن البركة والشؤم ضدان لا يجتمعان .



                                                            (الرابعة) استدل به أحمد بن حنبل والبخاري ، وغيرهما على أن الجهاد واجب مع البر والفاجر لأنه ذكر بقاء الخير في نواصيها إلى يوم القيامة ، وفسره بالأجر والمغنم ، ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عادلا فدل على أنه لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع أئمة العدل أو أئمة الجور ، وقد ورد التصريح بذلك فيما رواه أبو داود في سننه من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله ، ولا تكفره بذنب ، ولا تخرجه من الإسلام بعمل ، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ، ولا عدل عادل ، والإيمان بالأقدار ، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا ، والصلاة عليكم واجبة خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا ، وإن عمل الكبائر سكت أبو داود عليها .

                                                            (الخامسة) وفيه بشرى ببقاء الجهاد إلى [ ص: 235 ] يوم القيامة ، والمراد قربها ، وأشراطها القريبة كيأجوج ومأجوج ، وأنه لا يبقى بعد وفاة عيسى عليه الصلاة والسلام جهاد ، والله أعلم .



                                                            (السادسة) قال الخطابي وفيه إثبات السهم للفرس يستحقه الفارس من أجله .



                                                            (السابعة) قال الخطابي ، وفيه إعلام بأن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير وجوه الأموال وأنفسها ، والعرب تسمي المال خيرا ، ومنه قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا أي مالا ، وقال المفسرون في قوله إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي أي الخيل .



                                                            (الثامنة) قال ابن عبد البر فيه تفضيل الخيل على سائر الدواب لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول ، وروى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل




                                                            الخدمات العلمية