الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا

فصلت جملة قال كذلك لأنها جرت على طريقة المحاورة وهي جواب عن تعجبه . والمقصود منه إبطال التعجب الذي في قوله وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا . فضمير قال عائد إلى الرب من قوله قال رب أنى يكون لي غلام . والإشارة في قوله كذلك إلى قول زكرياء وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا . والجار والمجرور مفعول لفعل قال ربك ، [ ص: 72 ] أي كذلك الحال من كبرك وعقر امرأتك قدر ربك ، ففعل قال ربك مراد به القول التكويني ، أي التقديري ، أي تعلق الإرادة والقدرة . والمقصود من تقريره التمهيد لإبطال التعجب الدال عليه قوله علي هين ، فجملة هو علي هين استئناف بياني جوابا لسؤال ناشئ عن قوله كذلك لأن تقرير منشأ التعجب يثير ترقب السامع أن يعرف ما يبطل ذلك التعجب المقرر ، وذلك كونه هينا في جانب قدرة الله تعالى العظيمة .

ويجوز أن يكون المشار إليه بقول كذلك هو القول المأخوذ من قال ربك ، أي أن قول ربك هو علي هين بلغ غاية الوضوح في بابه بحيث لا يبين بأكثر ما علمت ، فيكون جاريا على طريقة التشبيه كقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، وقد تقدم في سورة البقرة . وعلى هذا الاحتمال فجملة هو علي هين تعليل لإبطال التعجب إبطالا مستفادا من قوله كذلك قال ربك ، ويكون الانتقال من الغيبة في قوله قال ربك إلى التكلم في قوله هو علي هين - التفاتا . ومقتضى الظاهر : هو عليه هين . والهين بتشديد الياء : السهل حصوله .

وجملة وقد خلقتك من قبل على الاحتمالين هي في موضع الحال من ضمير الغيبة الذي في قوله هو علي هين ، أي إيجاد الغلام لك هين علي في حال كوني قد خلقتك من قبل هذا الغلام ولم تكن موجودا ، أي في حال كونه مماثلا لخلقي إياك ، فكما لا عجب من خلق الولد في الأحوال المألوفة كذلك لا عجب من خلق الولد في الأحوال النادرة إذ هما إيجاد بعد عدم . ومعنى ولم تك شيئا : لم تكن موجودا .

[ ص: 73 ] وقرأ الجمهور وقد خلقتك بتاء المتكلم .

وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف ( وقد خلقناك ) بنون العظمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية