الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - المتن .

            النهي على الأمر ، والأمر على الإباحة على الصحيح .

            والنهي بمثله على الإباحة ، والأقل احتمالا على الأكثر ، والحقيقة على المجاز ، والمجاز على المجاز بشهرة مصححه أو قوته ، أو قرب جهته أو رجحان دليله أو شهرة استعماله ، والمجاز على المشترك على الصحيح كما تقدم ، والأشهر مطلقا ، واللغوي المستعمل شرعا على الشرعي ، بخلاف المنفرد الشرعي ، وبتأكيد الدلالة ، ويرجح في الاقتضاء بضرورة الصدق على ضرورة وقوعه شرعا ، وفي الإيماء بانتفاء العبث أو الحشو على غيره ، وبمفهوم الموافقة على المخالفة على الصحيح ، والاقتضاء على الإشارة ، وعلى الإيماء وعلى المفهوم ، وتخصيص العام على تأويل الخاص لكثرته ، والخاص ولو من وجه ، والعام لم يخصص على ما خص . والتقييد كالتخصيص ، والعام الشرطي على النكرة [ ص: 384 ] المنفية وغيرها . والمجموع باللام ومن وما على الجنس باللام ، والإجماع على النص ، والإجماع على ما بعده في الظني .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من الترجيح بأمور عائدة إلى السند ، شرع في الترجيح بأمور تعود إلى المتن .

            فالنهي يرجح على الأمر ; لأن المقصود من الأمر حصول المصلحة ، ومن النهي دفع المفسدة ، والاهتمام بدفع المفسدة أشد من الاهتمام بحصول المصالح ; ولأن محامل النهي ، وهي الحرمة أو الكراهة ، أقل من محامل الأمر ، وهي الوجوب والندب والإباحة . وكلما كان المحامل أقل ، كان أبعد عن الاضطراب .

            والأمر يرجح على الإباحة على المذهب الصحيح لاحتمال الضرر على تقدير الترك لو قدم الإباحة ، بخلاف العكس ; لأنه لو قدم الأمر ، لم يحتمل الضرر ; لأنه لم يجز تركه .

            ومن رجح الإباحة على الأمر ، نظر إلى أن الأمر احتمل عدة معان ، بخلاف الإباحة ، فكانت الإباحة أقل احتمالا ، فيرجح على الأمر لقلة الاحتمال .

            [ ص: 385 ] ويرجح النهي على الإباحة بمثل ما قيل في ترجيح الأمر على الإباحة ، ويرجح الأقل احتمالا على الأكثر احتمالا لما مر .

            وما كان ألفاظه حقيقة راجحة على ما كانت ألفاظه مجازا ; لأن الحقيقة مستقلة بالإفادة ، دون المجاز ، فإنه يحتاج إلى القرينة ، والمجاز يرجح على المجاز بسبب شهرة مصحح ذلك المجاز .

            وذلك بأن تكون العلاقة بينه وبين الحقيقة أشهر من العلاقة بين المجاز الآخر والحقيقة ، مثل : أن يكون أحدهما من باب المشابهة ، والآخر من باب اسم المتعلق على المتعلق .

            أو بقوة مصححه ، بأن يكون مصحح أحد المجازين أقوى من مصحح الآخر ، كإطلاق اسم الكل على الجزء وبالعكس ، فإن العلاقة المصححة في الأول أقوى من العلاقة المصححة في الثاني ، أو بقرب جهة أحد المجازين إلى الحقيقة ، كحمل نفي الذات على نفي الصحة ، فإنه أقرب إليه من نفي الكمال ، أو يكون دليل أحد المجازين راجحا على دليل المجاز الآخر .

            [ ص: 386 ] وذلك بأن تكون القرينة الصارفة في أحدهما قطعية ، وفي الآخر غير قطعية .

            أو يكون أحد المجازين مشهور الاستعمال والآخر غير مشهور ، ويرجح المجاز على المشترك على المذهب الصحيح ، كما تقدم في بحث المجاز ، ويرجح الأشهر مطلقا على غير الأشهر .

            وإنما قال : مطلقا ; ليتناول الترجيح بين الحقيقتين إذا كانت إحداهما أشهر ، والترجيح بين الحقيقة والمجاز إذا كان المجاز أشهر من الحقيقة .

            وفي رجحان المجاز الأشهر على الحقيقة نظر ; لأن المجاز وإن كان أشهر ، لكنه على خلاف الأصل . والحقيقة وإن كانت أقل شهرة ، لكنها ترجح بأنها الأصل .

            ويرجح اللفظ اللغوي المستعمل شرعا في مفهومه اللغوي على المنقول الشرعي ; لأن الأصل موافقة الشرع اللغة ، وهذا بخلاف المنفرد ، وهو أن يكون اللفظ مستعملا في اللغة لمعنى ، وفي الشرع لمعنى آخر ، فإن المعهود من الشرع إطلاق اللفظ في مفهومه الشرعي .

            [ ص: 387 ] ويرجح أحد المتعارضين بتأكيد الدلالة ، مثل : أن يكون أحد المتعارضين خاصا عطف على عام تناوله ، والمعارض الآخر خاصا ليس كذلك ، فإن الخاص المعطوف على العام آكد دلالة بدلالة العام عليه ، مثل قوله - تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .

            ويرجح في الاقتضاء ما يتوقف عليه ضرورة الصدق ، مثل : " رفع عن أمتي الخطأ " على ما يتوقف عليه ضرورة وقوعه شرعا أو عقلا . مثل : أعتق عبدك عني ، أو صعدت السطح ; لأن ما يتوقف عليه صدق المتكلم أولى مما يتوقف عليه وقوعه الشرعي أو العقلي ، نظرا إلى بعد الكذب في كلام الشارع .

            ويرجح في الإيماء ما لولاه ، لكان في الكلام عبث وحشو على غيره من أقسام الإيماء . مثل أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا لو لم يعلل الحكم به ، لكان ذكره عبثا أو حشوا . فإنه يقدم على الإيماء بما رتب فيه الحكم بفاء التعقيب ; لأن نفي العبث والحشو من كلام الشارع أولى .

            ويرجح أحد المتعارضين في المفهوم بمفهوم الموافقة ، فإن مفهوم الموافقة راجح على مفهوم المخالفة على المذهب الصحيح ; لأن دلالة اللفظ على مفهوم الموافقة أظهر من دلالته على مفهوم [ ص: 388 ] المخالفة ، ولذلك لم يقل بمفهوم المخالفة بعض من قال بمفهوم الموافقة .

            ويرجح الاقتضاء على الإشارة وعلى الإيماء وعلى المفهوم ، أما ترجيحه على الإشارة ، فلأن الاقتضاء مقصود بإيراد اللفظ صدقا أو حصولا ، ويتوقف الأصل عليه ، بخلاف الإشارة ، فإنها لم تقصد بإيراد اللفظ ، وإن توقف الأصل عليها .

            وأما ترجيحه على الإيماء ، فلأن الإيماء وإن كان مقصودا بإيراد اللفظ ، لكنه لم يتوقف الأصل عليه ، وأما ترجيحه على المفهوم ، فلأن الاقتضاء مقطوع بثبوته ، والمفهوم مظنون ثبوته ، ولذلك لم يقل بالمفهوم بعض من قال بالاقتضاء .

            ويرجح تخصيص العام على تأويل الخاص ; لأن تخصيص العام كثير ، وتأويل الخاص ليس بكثير ; ولأن الدليل لما دل على عدم إرادة البعض ، تعين كون الباقي مرادا ، وإذا دل على أن الظاهر الخاص غير مراد ، لم يتعين هذا التأويل .

            [ ص: 389 ] ويرجح الخاص على العام ، ويرجح الخاص من وجه على العام مطلقا ; لأن الخاص أقوى دلالة من العام ، فكذا كل ما هو أقرب منه .

            ويرجح العام الذي لم يخصص على العام الذي خصص ; لأن العام بعد التخصيص اختلف في كونه حجة ، بخلاف العام الباقي على مفهومه .

            وحكم المقيد والمطلق حكم الخاص والعام ، ويرجح العام الشرطي ، كمن وما ، على النكرة في سياق النفي ، وعلى غيرها ، كالمحلى باللام ; لأن إلغاء العام الشرطي يوجب إلغاء السببية الحاصلة بالشرط أيضا ، وإلغاء العام الغير الشرطي لا يوجب - غير إلغائه - مفسدة أخرى ، فكان أولى .

            ويرجح المجموع المحلى باللام ، ومن وما ، على الجنس المحلى باللام ; لأن الجنس المحلى باللام اختلف المحققون في عمومه ، بخلاف المجموع باللام ومن وما .

            ويرجح الإجماع على النص ; لعدم قبول الإجماع النسخ .

            ويرجح الإجماع الظني على إجماع آخر ظني وقع بعده ; لقرب الأول من عهد الرسول ، وهو يوجب قوة الظن .




            الخدمات العلمية