الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب . قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أمن هو قانت قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وأبو جعفر، [ ص: 166 ] والمفضل عن عاصم، وزيد عن يعقوب: "أمن" بالتخفيف; وقرأ الباقون: بالتشديد . فأما المشددة، فمعناها: أهذا الذي ذكرنا خير، أمن هو قانت؟ والأصل في "أمن": أم من، فأدغمت الميم في الميم . وأما المخففة، ففي تقديرها ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها بمعنى النداء . قال الفراء: فسرها الذين قرؤوا بها فقالوا: يا من هو قانت، وهو وجه حسن، والعرب تدعو بالألف كما تدعو بياء، فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل، فيكون المعنى: أنه ذكر الناسي الكافر، ثم قص قصة الصالح بالنداء، كما تقول: فلان لا يصوم ولا يصلي، فيا من يصوم أبشر .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن تقديرها: أمن هو قانت كمن ليس بقانت؟!

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا؟!

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرنا معنى القنوت في [البقرة: 116] ومعنى آناء الليل في [آل عمران: 113] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ساجدا وقائما يعني في الصلاة . وفيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال . أحدها: أنه أبو بكر الصديق، رواه عطاء عن ابن عباس . [ ص: 167 ] والثاني: عثمان بن عفان، قاله ابن عمر . والثالث: عمار بن ياسر، قاله مقاتل . والرابع: ابن مسعود، وعمار، وصهيب، وأبو ذر، قاله ابن السائب . والخامس: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يحذر الآخرة أي: عذاب الآخرة . وقد قرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وعروة، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، وأبو عمران: "يحذر عذاب الآخرة" بزيادة "عذاب" .

                                                                                                                                                                                                                                      ويرجو رحمة ربه فيها قولان . أحدهما: أنها المغفرة، قاله ابن السائب . والثاني: الجنة، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون أن ما وعد الله من الثواب [ ص: 168 ] والعقاب حق والذين لا يعلمون وباقي الآية قد تقدم في [الرعد: 19]، وكذلك قوله: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة قد تقدم في [النحل: 30] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: وأرض الله واسعة قولان . أحدهما: أنه حث لهم على الهجرة من مكة إلى حيث يأمنون . والثاني: أنها أرض الجنة رغبهم فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      إنما يوفى الصابرون الذين صبروا لأجل الله تعالى على ما نالهم بغير حساب أي :يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب وأعظم من أن يحاط به، لا على قدر أعمالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية