الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثانية :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } .

                                                                                                                                                                                                              وقد تقدم القول فيها ، ويحق أن نعيده لعظمه ، وقد نادى الله عليهم بأنهم أول من اقتحم هذا ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فينا من رواية عبد الله بن عمر : { وليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، حتى لو كان منهم من يأتي أمه علانية ، كان في أمتي من يصنع ذلك } .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى ابن وهب وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه { : اقتلوا الفاعل والمفعول به } . ولقد كتب خالد بن الوليد في ذلك إلى أبي بكر الصديق ، فكتب إليه أبو بكر : عليه الرجم . [ ص: 515 ] وتابعه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي بن أبي طالب : إن العرب تأنف من العار وشهرته أنفا لا تأنفه من الحدود التي تمضي في الأحكام ، فأرى أن تحرقه بالنار فقال أبو بكر : صدق أبو الحسن . فكتب إلى خالد أن أحرقه بالنار ، ففعل . فقال ابن وهب : لا أرى خالدا أحرقه إلا بعد قتله ; لأن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              قال القاضي : ليس كما زعم ابن وهب ، كان علي يرى الحرق بالنار عقوبة ، ولذلك كان ما أخبرنا أبو المعالي ثابت بن بندار البرقاني الحافظ ، أخبرنا الإسماعيلي ، حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا محمد بن عباد ، حدثنا إسماعيل قال : رأيت عمرو بن دينار ، وأيوب ، وعمارا الرهيني ، اجتمعوا فتناكروا الذين حرقهم علي ، فحدث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه لما بلغه قال : لو كنت أنا ما أحرقتهم ؟ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تعذبوا بعذاب الله } ، ولقتلتهم " ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من ترك دينه فاقتلوه } . فقال عمار : لم يكن حرقهم ، ولكنه حفر لهم حفائر ، وخرق بعضها إلى بعض ، ثم دخن عليهم حتى ماتوا . فقال عمار : قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                              لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين     إذا ما أججوا حطبا ونارا
                                                                                                                                                                                                              هناك الموت نقدا غير دين



                                                                                                                                                                                                              ومن حديث يحيى بن بكير ما يصدق ذلك : عن علي أنه وجد في ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة كان اسمه الفجاءة ، فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي بن أبي طالب ، وكان يومئذ أشد فيهم قولا ، فقال علي : إن هذا الذنب لم تعص به أمة من الأمم ، إلا أمة واحدة ، صنع الله بها ما علمتم ; أرى أن يحرق بالنار . فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار ، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد [ ص: 516 ] أن يحرقهم بالنار ، فأحرقهم بالنار ، ثم أحرقهم ابن الزبير في زمانه ، ثم أحرقهم هشام بن عبد الملك ، ثم أحرقهم خالد القسري بالعراق .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي أن عبد الله بن الزبير أتي بسبعة أخذوا في لواط ، فسأل عنهم ، فوجدوا أربعة قد أحصنوا ، فأمر بهم فخرج بهم من الحرم ، ثم رجموا بالحجارة ، حتى ماتوا ، وجلد الثلاثة حتى ماتوا بالحد . قال : وعنده ابن عباس ، وابن عمر ، فلم ينكرا عليه .

                                                                                                                                                                                                              وقد ذهب الشافعي إلى هذا ، والذي صار إليه مالك أحق ، وهو أصح سندا ، وأقوى معتمدا ، حسبما بيناه قبل هذا .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللواط ، فقال : يصعد به في الجبل ، ثم يردى منه ، ثم يتبع بالحجارة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية