الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          192 - مسألة : ويلزم المرأة حل ضفائرها وناصيتها في غسل الحيض وغسل الجمعة والغسل من غسل الميت ومن النفاس .

                                                                                                                                                                                          لما حدثناه يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض { انقضي رأسك واغتسلي } . قال علي : والأصل في الغسل الاستيعاب لجميع الشعر ، وإيصال الماء إلى البشرة بيقين ، بخلاف المسح ، فلا يسقط ذلك إلا حيث أسقطه النص ، وليس ذلك إلا في الجنابة فقط ، وقد صح الإجماع بأن غسل النفاس كغسل الحيض .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فإن عبد الله بن يوسف حدثكم قال : ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثنا عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري [ ص: 286 ] عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أم المؤمنين قالت { يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة والجنابة ؟ قال : لا } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : قوله ههنا راجع إلى الجنابة لا غير ، وأما النقض في الحيض فالنص قد ورد به ، ولو كان كذلك لكان الأخذ به واجب إلا أن حديث عائشة رضي الله عنها نسخ ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لها في غسل الحيض { انقضي رأسك واغتسلي } فوجب الأخذ بهذا الحديث .

                                                                                                                                                                                          قال علي : قلنا نعم ، إلا أن حديث هشام بن عروة عن عائشة الوارد بنقض ضفرها في غسل الحيضة - هو زائد حكما ومثبت شرعا على حديث أم سلمة ، والزيادة لا يجوز تركها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وقد روينا حديثا ساقطا عن عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تغتسل من حيضة أو جنابة { لا تنقض شعرها } وهذا حديث لو لم يكن فيه إلا ابن لهيعة لكفى سقوطا ، فكيف وفيه عبد الملك بن حبيب وحسبك به ، ثم لم يقل فيه أبو الزبير " حدثنا " وهو مدلس في جابر ما لم يقله .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : قسنا غسل الحيض على غسل الجنابة ، قلنا القياس كله باطل ، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأن الأصل يقين إيصال الماء إلى جميع الشعر ، وهم يقولون : إن ما خرج عن أصله لم يقس عليه ، وأكثرهم يقول : لا يؤخذ به كما فعلوا في حديث المصراة ، وخبر جعل الآبق ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : فإن عائشة قد أنكرت نقض الضفائر ، كما حدثكم عبد الله بن يوسف قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب السختياني عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال { بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر [ ص: 287 ] النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن فقالت : يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن . أولا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن ؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا لا حجة علينا فيه لوجوه :

                                                                                                                                                                                          أحدها أن عائشة رضي الله عنها لم تعن بهذا إلا غسل الجنابة فقط وهكذا نقول ، وبيان ذلك إحالتها في آخر الحديث على غسلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، وهذا إنما هو بلا شك للجنابة لا للحيض ، والثاني أنه لو صح فيه أنها أرادت الحيض لما كان علينا فيه حجة لأننا لم نؤمر بقبول رأيها ، إنما أمرنا بقبول روايتها ، فهذا هو الفرض اللازم ، والثالث أنه قد خالفها عبد الله بن عمرو ، وهو صاحب ، وإذا وقع التنازع ، وجب الرد إلى القرآن والسنة ، لا إلى قول أحد المتنازعين دون الآخر ، وفي السنة ما ذكرنا ، والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية