الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب المسح على الخفين ( اعلم ) أن المسح على الخفين جائز بالسنة فقد اشتهر فيه الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا . من ذلك حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال { توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكنت أصب الماء عليه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين فأخرج يديه من تحت ذيله ومسح على خفيه فقلت نسيت غسل القدمين فقال لا بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي } . ومن ذلك حديث { جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه فقيل له أكان ذلك بعد نزول المائدة فقال وهل أسلمت إلا بعد نزول المائدة } وقال إبراهيم : رحمه الله تعالى وكان يعجبهم حديث جرير رضي الله عنه لأنه أسلم بعد نزول المائدة وإنما قال : هذا لما روي عن ابن عباس . [ ص: 98 ] رضي الله تعالى عنهما قال : سلوا هؤلاء الذين يروون المسح هل مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة والله ما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة ولأن أمسح على ظهر عنز في الفلاة أحب إلي من أن أمسح على الخفين وقد صح رجوعه عنه على ما قال عطاء بن أبي رباح رضي الله تعالى عنه لم يمت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حتى اتبع أصحابه في المسح على الخفين . والذي روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها لأن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين فقد صح رجوعها عنه على ما روى { شريح بن هانئ قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن المسح على الخفين فقالت لا أدري سلوا عليا رضي الله تعالى عنه فإنه كان أكثر سفرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا عليا رضي الله تعالى عنه فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين } . وفي رواية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها فبلغ ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت هو أعلم } .

ولكثرة الأخبار فيه قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار . وقال أبو يوسف رحمه الله : خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته وقال الكرخي رحمه الله تعالى : أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين ; لأن الآثار التي وردت فيه في حيز التواتر . وهو مؤقت في حق المقيم بيوم وليلة وفي حق المسافر بثلاثة أيام ولياليها لحديث علي رضي الله تعالى عنه وحديث خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها } وعن { ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال خرجت إلى العراق فرأيت سعدا يمسح على الخفين فقلت ما هذا فقال إذا رجعت إلى أبيك فسله فسألت أبي فقال عمك أفقه منك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين وسمعته يقول المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها } ولأن المسح رخصة لدفع المشقة وذلك مؤقت في حق المقيم بيوم وليلة ; لأنه يلبس خفيه حين يصبح ويخرج فيشق عليه النزع قبل أن يعود إلى بيته ليلا ، والمسافر يلحقه الحرج بالنزع في كل مرحلة فقدر في حقه بثلاثة أيام ولياليها أدنى مدة السفر إذ لا نهاية لأكثره . وكان الحسن البصري رضي الله تعالى عنه يقول المسح مؤبد للمسافر لحديث { عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أمسح على الخفين يوما ؟ فقال : نعم . فقلت : يومين ؟ فقال : نعم حتى انتهيت إلى سبعة [ ص: 99 ] أيام فقال : إذا كنت في سفر فامسح ما بدا لك } وتأويله أن مراده صلى الله عليه وسلم بيان أن المسح مؤبد غير منسوخ وأن ينزع في هذه المدة والأخبار المشهورة لا تترك بهذا الشاذ وكان مالك رحمه الله تعالى يقول : لا يمسح المقيم أصلا ويمسح المسافر ما بدا له لحديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال : وفدت على عمر رضي الله تعالى عنه من الشام فقال : متى عهدك بالخف ؟ فقلت منذ أسبوع . قال : أصبت . وتأويله أن المراد بيان أول اللبس وخروجه مسافرا لا أنه لم ينزع بين ذلك . ثم ابتداء المدة من وقت الحدث ; لأن سبب وجوب الطهارة الحدث واستتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم فما هو موجب لبس الخف إنما يظهر عند الحدث فلهذا كان ابتداء المدة منه ، ولأنه لا يمكن ابتداء المدة من وقت اللبس فإنه لو لم يحدث بعد اللبس حتى يمر عليه يوم وليلة لا يجب عليه نزع الخف بالاتفاق ولا يمكن اعتباره من وقت المسح ; لأنه لو أحدث ولم يمسح ولم يصل أياما لا إشكال أنه لا يمسح بعد ذلك فكان العدل في الاعتبار من وقت الحدث .

التالي السابق


الخدمات العلمية