الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          12 - سورة يوسف عليه السلام

                          هي مكية وآياتها مائة وإحدى عشرة آية فقط ، وما قيل من أن الثلاث منها مدنيات فلا تصح روايته ولا يظهر له وجه ، وهو يخل بنظم الكلام ، وقد راجعت الإتقان فإذا هو ينقله ويقول : وهو واه جدا فلا يلتفت إليه ، ومن العجائب أن يذكر هذا استثناء في المصحف المصري ويزاد عليه الآية السابعة .

                          والمناسبة بينها وبين سورة هود أنها متممة لما فيها من قصص الرسل - عليهم السلام - والاستدلال في كل منهما على كونها وحيا من الله - تعالى - دالا على رسالة محمد خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - بآيتين متشابهتين ، ففي آخر قصة نوح من الأولى : تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا 11 : 49 وفي آخر الثانية ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون 12 : 102 وإشارة التأنيث في الأولى للقصة المنزلة بهذا التفصيل والبلاغة العجيبة ، وقيل : للسورة ، وإشارة التذكير في الثانية لقوله - تعالى - في أول السورة : نحن نقص عليك أحسن القصص 12 : 3 .

                          [ ص: 207 ] والفرق بين قصتها وقصص الرسل في التي قبلها وفي سورة الأعراف وغيرها ، أن تلك قصص للرسل مع أقوامهم في تبليغ دعوة الرسالة والمحاجة فيها ، وعاقبة من آمن بهم ومن كذبهم ؛ لإنذار مشركي مكة ومتبعيهم من العرب ، وقد كررت بالأساليب والنظم المختلفة لما فيها من أنواع التأثير ووجوه الإعجاز التي تقدم بيانها في مباحث الوحي المحمدي ، ثم في بحث التحدي بعشر سور مثله مفتريات .

                          وأما سورة يوسف فهي قصة نبي واحد وجد في غير قومه قبل النبوة صغير السن ، وبلغ أشده واكتهل فنبئ وأرسل ودعا إلى دينه ، وكان مملوكا ثم تولى إدارة الملك لقطر عظيم ، فأحسن الإدارة والتنظيم ، وكان خير قدوة للناس في رسالته وجميع ما دخل فيه من أطوار الحياة وطوارئها وطوارقها ، وأعظمها شأنه مع أبيه وإخوته آل بيت النبوة ، فكان من الحكمة أن تجمع قصته في سورة واحدة كما نجعله في أولها ونفصله إن شاء الله في خاتمتها . وهي أطول قصة في القرآن افتتحت بثلاث آيات تمهيدية في ذكر القرآن وحسن قصصه ، ثم كانت إلى تمام المائة في تاريخ يوسف ، وختمت بإحدى عشرة آية في الاستدلال بها على ما أنزلها الله لأجله من إثبات رسالة خاتم النبيين ، وإعجاز كتابه ، والعبرة العامة بقصص الرسل عليهم السلام .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية