الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 614 ] باب الهدي ( هو ) في اللغة والشرع ( ما يهدى إلى الحرم ) من النعم ( ليتقرب به ) فيه ( أدناه شاة ، وهو إبل ) ابن خمس سنين ( وبقر ) ابن سنتين ( وغنم ) ابن سنة ( ولا يجب تعريفه ) بل يندب في دم الشكر ( ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاز في الضحايا ) كما سيجيء ، [ ص: 615 ] فصح اشتراك ستة في بدنة شريت لقربة ، وإن اختلفت أجناسها .

التالي السابق


باب الهدي

لما دار ذكر الهدي فيما تقدم من المسائل نسكا وجزاء احتيج إلى بيانه وما يتعلق به ابن كمال ، ويقال فيه هدي بالتشديد على فعيل الواحد هدية كمطية ومطي ومطايا مغرب ( قوله ما يهدى ) مأخوذ من الهدية التي هي أعم من الهدى لا من الهدي ، وإلا لزم ذكر المعرف في التعريف ، فيلزم تعريف الشيء بنفسه ح . قلت : لو أخذ من الهدي يكون تعريفا لفظيا وهو سائغ ط . واحترز بقوله إلى الحرم عما يهدى إلى غيره نعما كان أو غيره ، وبقوله من النعم عما يهدى إلى الحرم من غير النعم ، فإطلاق الفقهاء في باب الأيمان والنذور والهدي على غيره مجاز بحر ، وبقوله ليتقرب به أي بإراقة دمه فيه : أي في الحرم عما يهدى من النعم إلى الحرم هدية لرجل . وأفاد به أنه لا بد من النية أي ولو دلالة . ففي البحر عن المحيط : الواحد من النعم يكون هديا بجعله صريحا أو دلالة ، وهي إما بالنية أو بسوق بدنة إلى مكة وإن لم ينو استحسانا لأن نية الهدي ثابتة عرفا لأن سوق البدنة إلى مكة في العرف يكون للهدي لا للركوب والتجارة ، قال : وأراد السوق بعد التقليد لا مجرد السوق ( قوله أدناه شاة ) أي وأعلاه بدنة من الإبل والبقر ، وفي حكم الأدنى سبع بدنة شرح اللباب .

وأفاد ببيان الأدنى أنه لو قال لله علي أن أهدي ولا نية له فإنه يلزمه شاة لأنها الأقل ، وإن عين شيئا لزمه ; ولو أهدى قيمتها جاز في رواية ، وفي أخرى لا وهي الأرجح ، ولا كلام فيما لو كان مما لا يراق دمه من المنقولات ، فلو عقارا تصدق بقيمته في الحرم أو غيره لأنه مجاز عن التصدق أفاده في البحر واللباب ( قوله ابن خمس سنين إلخ ) بيان لأدنى السن الجائز في الهدي وهو الثني ، وهو من الإبل ما له خمس سنين وطعن في السادسة ، ومن البقر ما طعن في الثالثة ، ومن الغنم ما طعن في الثانية لكنه يوهم أن الجذع من الغنم لا يجوز . قال في اللباب : ولا يجوزون الثني إلا الجذع من الضأن وهو ما أتى عليه أكثر السنة ، وإنما يجوز إذا كان عظيما وتفسيره أنه لو خلط بالثنايا اشتبه على الناظر أنه منها ا هـ ( قوله ولا يجب تعريفه ) أي الذهاب به إلى عرفات أو تشهيره بالتقليد ح عن البحر ( قوله بل يندب ) أي التعريف بمعنييه ح ، لكن الشاة لا يندب تقليدها . وفي اللباب : ويسن تقليد بدن الشكر دون بدن الجبر ، وحسن الذهاب بهدي الشكر إلى عرفة . ا هـ . فعبر في الأول بالبدن ليخرج الشاة ، وفي الثاني بالهدي ليدخلها فيه .

وأفاد أيضا أن الأول سنة والثاني مندوب ، ففي كلام الشارح إجمال ( قوله في دم الشكر ) أي القران والتمتع ، وكذا يقلد هدي التطوع والنذر ; ولو قلد دم الإحصار والجناية جاز ولا بأس به كما سيأتي ( قوله ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاز في الضحايا ) كذا عبر في الهداية ، وعلله بأنه قربة تعلقت بإراقة الدم كالأضحية فيختصان بمحل واحد . ا هـ . فأشار إلى أنه مطرد منعكس فيجوز هنا ما يجوز ثمة ولا يجوز هنا ما لا يجوز ثمة . [ ص: 615 ] ولا يرد على طرده ما قدمناه من جواز إهداء قيمة المنذور في رواية مع أنه لا يجوز في الأضحية لأن " ما " واقعة على الحيوان كما اقتضاه قوله وهو إبل وبقر وغنم ، ولو سلم فتلك الرواية مرجوحة على أن القيمة قد تجزئ في الأضحية كما إذا مضت أيامها ولم يضح الغني فإنه يتصدق بقيمتها فافهم ( قوله فصح اشتراك ستة ) أي لأن ذلك جائز في الضحايا فيجوز هنا لما علمته من القاعدة ، واشتراك افتعال ، مصدر الرباعي المتعدي كالاختصاص والاكتساب وهو مضاف إلى مفعوله أي اشتراك واحد ستة . قال في الفتح عن الأصل والمبسوط : فإن اشترى بدنة لمتعة مثلا ثم اشترك فيها ستة بعد ما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا بعضها بإيجاب الشرع وبعضها بإيجابه ; فإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن وإن نوى أن يشرك فيها ستة أجزأته لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء ، فإن لم يكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى شرك الستة جاز : والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة في الابتداء . ا هـ .

وقوله لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء إلخ يدل على أن معنى إيجابها لنفسه أن يشتريها لنفسه أو ينوي بعده القربة ، ومثله قوله في شرح اللباب أي بتعيين النية وتخصيصها له . إذا عرفت ذلك فالصور ستة : إما أن يشتريها لنفسه خاصة ، أو يشتريها بلا نية ثم يعينها لنفسه ، أو يشتريها بلا نية ولم يعينها لنفسه ، أو يشتريها بنية الشركة أو يشتريها مع ستة ، أو يشتريها وحده بأمرهم ، فقول الشارح شريت لقربة لا يصلح على إطلاقه بل هو خاص بما عدا الصورتين الأوليين ، لكن ينبغي أن يكون هذا التفصيل محمولا على الفقير لأن الغني لا تجب عليه بالشراء بدليل ما ذكره في أضحية البدائع عن الأصل ، من أنه لو اشترى بقرة ليضحي بها عن نفسه فأشرك فيها يجزئهم والأحسن فعل ذلك قبل الشراء قال : وهذا : أي قوله يجزئهم محمول على الغني لأنها لم تتعين ، أما الفقير فلا يجوز أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت ا هـ . لكن سوى في الخانية في مسألة الأضحية بين الغني والفقير فتأمل ( قوله وإن اختلفت أجناسها ) في الفتح عن الأصل والمبسوط : كل من وجب عليه من المناسك جاز أن يشارك ستة نفر قد وجبت الدماء عليهم وإن اختلفت أجناسها من دم متعة وإحصار وجزاء صيد وغير ذلك ، ولو كان الكل من جنس واحد كان أحب إلي . ا هـ .

وذكر نحوه في البحر هنا ، وبه يظهر ما في قول البحر في القران والجنايات أن الاشتراك لا يكفي في الجنايات بخلاف دم الشكر وقد نبهنا على ذلك أول باب الجنايات




الخدمات العلمية