الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2410 ) مسألة : قال : ( وكذلك شجره ونباته ، إلا الإذخر ، وما زرعه الإنسان ) أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم ، وإباحة أخذ الإذخر ، وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين . حكى ذلك ابن المنذر ، والأصل فيه ما روينا من حديث ابن عباس . وروى أبو شريح ، وأبو هريرة [ ص: 169 ] نحوا من حديث ابن عباس ، وكلها متفق عليها .

                                                                                                                                            وفي حديث أبي هريرة : { ألا وإنها ساعتي هذه حرام ، لا يختلى شوكها ، ولا يعضد شجرها } . وفي حديث أبي شريح ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، قال : { إن مكة حرمها الله ، ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة } . وروى الأثرم حديث أبي هريرة ، في ( سننه ) ، وفيه : { لا يعضد شجرها ، ولا يحتش حشيشها ، ولا يصاد صيدها } . فأما ما أنبته الآدمي من الشجر ، فقال أبو الخطاب ، وابن عقيل : له قلعه من غير ضمان ، كالزرع .

                                                                                                                                            وقال القاضي : ما نبت في الحل ، ثم غرس في الحرم ، فلا جزاء فيه ، وما نبت أصله في الحرم . ففيه الجزاء بكل حال . وقال الشافعي : في شجر الحرم الجزاء بكل حال ، أنبته الآدميون ، أو نبت بنفسه ; لعموم قوله عليه السلام : { لا يعضد شجرها } . ولأنها شجرة نابتة في الحرم ، أشبه ما لم ينبته الآدميون .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا جزاء فيما ينبت الآدميون جنسه ، كالجوز واللوز والنخل ونحوه ، ولا يجب فيما ينبته الآدمي من غيره ، كالدوح والسلم والعضاه ; لأن الحرم يختص تحريمه ما كان وحشيا من الصيد ، كذلك الشجر . وقول الخرقي : ( وما زرعه الإنسان ) يحتمل اختصاصه بالزرع دون الشجر ، فيكون كقول الشافعي .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يعم جميع ما يزرع ، فيدخل فيه الشجر ، ويحتمل أن يريد ما ينبت الآدميون جنسه . والأولى الأخذ بعموم الحديث في تحريم الشجر كله ، بقوله عليه السلام : { لا يعضد شجرها . } إلا ما أنبته الآدمي من جنس شجرهم ، بالقياس على ما أنبتوه من الزرع ، والأهلي من الحيوان ، فإننا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله إنسيا ، دون ما تأنس من الوحشي ، كذا هاهنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية