الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1901 - مسألة : ولا يحل الوطء في الدبر أصلا ، لا في امرأة ولا في غيرها - أما ما عدا النساء ، فإجماع متيقن . وأما في النساء ففيه اختلاف - اختلف فيه عن ابن عمر ، وعن نافع كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أرنا الربيع بن سليمان بن داود نا أصبغ بن الفرج ثنا عبد الرحمن بن القاسم ، قال : قلت لمالك : إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال : قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ، قال : وما التحميض ؟ قال : نأتيهن في أدبارهن ؟ قال ابن عمر : أف أف أف ، أو يعمل هذا مسلم ؟ فقال لي مالك : فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال : لا بأس به . ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني علي بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل نا سعيد بن عيسى حدثني المفضل نا عبد الله بن سليمان عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره : أنه قال لنافع مولى ابن عمر : قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى بأن تؤتى النساء في أدبارهن ؟ فقال نافع : لقد كذبوا علي - وذكروا في ذلك أحاديث لو صحت لجاءنا ما ينسخها - على ما نذكره إن شاء الله عز وجل - واحتجوا بقول الله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لأن " أنى " في لغة العرب التي نزل بها القرآن إنما هي بمعنى " من أين " لا بمعنى : أين ، فإذ ذلك كذلك - فإنما معناه من [ ص: 221 ] أين شئتم " قال الله عز وجل : { يا مريم أنى لك هذا }

                                                                                                                                                                                          بمعنى : من أين لك هذا

                                                                                                                                                                                          وقالوا : لو حرم من المرأة شيء لحرم جميعها ؟ قال أبو محمد : هذا كما قالوا لو لم يأت نص بتحريمه

                                                                                                                                                                                          وقالوا : وطء المجموعة جائز وربما مال الذكر إلى الدبر ؟

                                                                                                                                                                                          قال علي : إذا لم يتمكن من وطء المجموعة إلا بالإيلاج في الدبر فوطؤها حرام

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فنظرنا في ذلك ؟ فوجدنا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ، وعبد الله بن ربيع ، قال أحمد : نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة ; وقال عبد الله : نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ، ثم اتفق الأشج ، وابن أبي شيبة ، قالا جميعا : نا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبر } هذا لفظ ورواية عبد الله بن ربيع ، ورواية أحمد " في دبرها " لم يختلفا في غير ذلك

                                                                                                                                                                                          وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور نا سفيان - هو الثوري - حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن }

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذان خبران صحيحان تقوم الحجة بهما ، ولو صح خبر في إباحة ذلك لكان هذان ناسخين له ، لأن الأصل أن كل شيء مباح حتى يأتي تحريمه ، فهذان الخبران وردا بما فصل الله تحريمه لنا

                                                                                                                                                                                          وقد جاء تحريم ذلك عن أبي هريرة وعلي بن أبي طالب ، وأبي الدرداء وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وطاوس ، ومجاهد [ ص: 222 ] وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وسفيان الثوري ، وغيرهم

                                                                                                                                                                                          وما رويت إباحة ذلك عن أحد إلا عن ابن عمر وحده باختلاف عنه ، وعن نافع باختلاف عنه ، وعن مالك باختلاف عنه فقط .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية