الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في أجر من عزى مصابا

                                                                                                          1073 حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا علي بن عاصم قال حدثنا والله محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عزى مصابا فله مثل أجره قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا ولم يرفعه ويقال أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث نقموا عليه [ ص: 158 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 158 ] العزاء : الصبر ، والتعزية : حمله عليه .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا يوسف بن عيسى ) بن دينار أبو يعقوب المروزي ، ثقة فاضل من العاشرة ( أخبرنا علي بن عاصم ) بن صهيب الواسطي التيمي صدوق يخطئ ويصر ، ورمي بالتشيع من التاسعة ( أخبرنا والله محمد بن سوقة ) بضم المهملة الغنوي أبو بكر الكوفي ، ثقة مرضي عابد من الخامسة ، ولا حاجة إلى القسم ، ولعله لوجه اقتضاه عند التحديث . قوله : ( من عزى مصابا ) أي : ولو بغير موت بالمأتى لديه ، أو بالكتابة إليه بما يهون المصيبة عليه ، ويحمله بالصبر بوعد الأجر ، أو بالدعاء له بنحو أعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر ، ورزقك الشكر ( فله ) أي : فللمعزي ( مثل أجره ) أي : نحو أجر المصاب على صبره ؛ لأن الدال على الخير كفاعله .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) والحديث أخرجه ابن ماجه ، قال ميرك : ورواه البيهقي ، وفي سنده ضعف ، وقال السيوطي في قوت المغتذي ، قال الحافظ صلاح الدين العلائي ، ومن خطه نقلت هذا الحديث . أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق حماد بن الوليد عن سفيان الثوري عن محمد بن سوقة به ، ومن طريق محمد بن عبيد الله العزرمي عن أبي الزبير عن جابر به ، وتعلق عليه في الأول بحماد بن الوليد فقد قال فيه ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وقال ابن حبان يسرق الحديث ، ويلزق بالثقات ما ليس من حديثهم ، ثم ذكر له هذا الحديث ، وأنه إنما يعرف من حديث علي بن عاصم ، لا من حديث الثوري ، وفي الثاني بالعزرمي فقد قال فيه النسائي : ليس بثقة ، قال العلائي : علي بن عاصم أحد الحفاظ المكثرين ، ولكن له أوهام كثيرة تكلموا فيه بسببها ، ومن جملتها هذا الحديث ، وقد تابعه عليه عن محمد بن سوقة عبد الحليم بن منصور ، لكنه ليس بشيء ، قال فيه ابن معين ، والنسائي : متروك فكأنه سرقه من علي بن عاصم ، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب كان أكثر كلامهم فيه ، يعني : علي بن عاصم بسبب هذا الحديث ، وقد رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سوقة وإبراهيم بن مسلم هذا ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يتكلم فيه أحد ، وقيس بن الربيع صدوق متكلم فيه لكن حديثه يؤيد رواية علي بن عاصم ويخرج به عن أن يكون ضعيفا واهيا ، فضلا عن [ ص: 159 ] أن يكون موضوعا ، وقال يعقوب بن شيبة : هذا حديث كوفي منكر يرون أنه لا أصل له مسندا ، ولا موقوفا ، وقد رواه أبو بكر النهشلي ، وهو صدوق ضعيف عن محمد بن سوقة قوله ، قال العلائي : وهذه علة مؤثرة لكن يعقوب بن شيبة ما ظفر بمتابعة إبراهيم بن مسلم ، وقد روى ابن ماجه ، والبيهقي من طريق قيس بن عمارة مولى الأنصاري ، وقد وثقه ابن حبان عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من عزى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله حلل الكرامة يوم القيامة والظاهر أن في إسناده انقطاعا . انتهى كلام العلائي . قوله ( لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم ) قد عرفت في كلام العلائي المذكور آنفا أنه رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع ، عن قيس ابن الربيع ، عن محمد بن سوقة ( موقوفا ) أي : على عبد الله بن مسعود ، قال القاري : لكن له حكم المرفوع ويعضده خبر ابن ماجه بسند حسن مرفوعا ما من مسلم يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة . انتهى . قلت قد عرفت في كلام العلائي أن الظاهر أن في إسناده انقطاعا ( أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث ) يعني : أن أكثر كلام المحدثين في علي بن عاصم بسبب هذا الحديث ، قال يعقوب بن شيبة : هذا الحديث من أعظم ما أنكره الناس على علي بن عاصم وتكلموا فيه مع ما أنكر عليه سواه ، كذا في تهذيب التهذيب ( نقموا عليه ) أي : عابوا وأنكروا عليه .




                                                                                                          الخدمات العلمية