الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم 2597 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يجزي ولد عن والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

                                                                                                                                            2598 - ( وعن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ملك ذا رحم محرم فهو حر } رواه الخمسة إلا النسائي وفي لفظ لأحمد : " فهو عتيق " ولأبي داود عن عمر بن الخطاب موقوفا مثل حديث سمرة وروى أنس : { أن رجالا من الأنصار استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه ، فقال : لا تدعوا منه درهما } رواه البخاري ، وهو يدل على أنه إذا كان في الغنيمة ذو رحم لبعض الغانمين ولم يتعين له لم يعتق عليه ، لأن العباس ذو رحم محرم من النبي صلى الله عليه وسلم ومن علي رضي الله عنه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث سمرة قال أبو داود والترمذي : لم يروه إلا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن ورواه شعبة عن قتادة عن الحسن مرسلا ، وشعبة أحفظ من حماد ، ولكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن من سمرة من المقال وقال علي بن المديني : هو حديث منكر وقال البخاري : لا يصح وأثر عمر أخرجه أيضا النسائي وهو من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه فإن مولده بعد موت عمر بنيف وثلاثين سنة

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا عند النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ملك ذا رحم محرم فهو حر } وهو من رواية ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عنه قال النسائي : حديث منكر ولا نعلم أحدا رواه عن سفيان غير ضمرة وقال الترمذي : لم يتابع ضمرة بن ربيعة على هذا الحديث وهو خطأ عند أهل الحديث وقال البيهقي : إنه وهم فاحش وقال الطبراني : وهم فيه ضمرة ، والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته وقد رد الحاكم هذا وقال : إنه روى من طريق ضمرة الحديثين بالإسناد الواحد ، وضمرة هذا وثقه يحيى بن معين وغيره ولم يخرج له الشيخان [ ص: 99 ] وقد صحح حديثه هذا ابن حزم وعبد الحق وابن القطان .

                                                                                                                                            قوله : ( لا يجزي ) بفتح أوله : أي لا يكافئه بما له من الحقوق عليه إلا بأن يشتريه فيعتقه ، وظاهره أنه لا يعتق بمجرد الشراء بل لا بد من العتق ، وبه قالت الظاهرية وخالفهم غيرهم فقالوا إنه يعتق بنفس الشراء قوله : ( ذا رحم ) بفتح الراء وكسر الحاء ، وأصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح قوله : ( محرم ) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة ، ويقال : محرم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة والمحرم من لا يحل نكاحه من الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم

                                                                                                                                            قال ابن الأثير : الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ذكرا كان أو أنثى وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من قرابته وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالد والإخوة ولا يعتق غيرهم قال البيهقي : وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا يعتقون بحق الملك واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد قرابة لا يتعلق بها رد الشهادة ولا تجب بها النفقة مع اختلاف الدين ، فأشبه قرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم ، وبأنه لو استحق العتق عليه بالقرابة لمنع من بيعه إذا اشتراه ، وهو مكاتب كالوالد والولد ، ولا يخفى أن نصب مثل هذه الأقيسة في مقابلة حديث سمرة وحديث ابن عمر مما لا يلتفت إليه منصف ، والاعتذار عنهما بما فيهما من المقال المتقدم ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج

                                                                                                                                            وحكي في الفتح عن داود الظاهري أنه لا يعتق أحد على أحد قوله : ( لابن أختنا ) بالمثناة من فوق ، والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب ، فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والفوقية مصغرا بنت جنان بالجيم والنون وليست من الأنصار ، وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغرا وهي من بني النجار ومثله ما وقع في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم : " نزل على أخواله بني النجار " وأخواله حقيقة إنما هم بنو زهرة وبنو النجار هم أخوال جده عبد المطلب

                                                                                                                                            وقد استدل بحديث أنس هذا من قال : إنه لا يعتق ذو الرحم على رحمه ، وقد ترجم عليه البخاري فقال : باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى ؟ قال في الفتح : قيل : إنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد فيمن ملك ذا رحم محرم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية