الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر الذين لا يؤمنون مطلقا؛ أتبعهم صنفا منهم هم أشدهم كفرا؛ فقال (تعالى): من ؛ أي: أي مخلوق وقع له أنه كفر بالله ؛ أي: الذي له صفات الكمال؛ بأن قال؛ أو عمل ما يدل على الكفر؛ ولما كان الكفر كله ضارا؛ وإن قصر زمنه؛ أثبت الجار؛ فقال (تعالى): من بعد إيمانه ؛ بالفعل؛ أو بالقوة؛ لما قام على الإيمان من الأدلة التي أوصلته إلى حد لا يلبس؛ فصار استكباره عن الإيمان ارتدادا عنه؛ وجواب الشرط دل ما قبله؛ وما بعده؛ على أنه: "فهو الكاذب"؛ أو "فعليه غضب من الله"؛ إلا من أكره ؛ أي: وقع إكراهه على قول كلمة الكفر؛ وقلبه ؛ أي: والحال أن قلبه؛ مطمئن بالإيمان ؛ فلا شيء عليه؛ وأجمعوا - مع إباحة ذلك له - أنه لا يجب عليه التكلم بالكفر؛ بل إن ثبت كان ذلك أرفع درجة؛ والآية نزلت في عمار بن ياسر - رضي الله عنه - [ ص: 259 ] أكرهوه؛ فتابعهم؛ وهو كاره؛ فأخبر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بأنه كفر؛ فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "كلا؛ إن عمارا مليء إيمانا؛ من قرنه إلى قدمه؛ واختلط الإيمان بلحمه؛ ودمه"؛ فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يبكي؛ فجعل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يمسح عينيه؛ ويقول: "إن عادوا فعد لهم بمثل ما قلت"؛ ولكن من شرح ؛ أي: فتح فتحا صار يشرح به بالكفر صدرا ؛ أي: منه؛ أو من غيره بالتسبب فيه؛ لأن حقيقة الإيمان؛ والكفر؛ تتعلق بالقلب؛ دون اللسان؛ وإنما اللسان معبر؛ وترجمان؛ معرف بما في القلب؛ لتوقع الأحكام الظاهرة؛ فعليهم ؛ لرضاهم به؛ غضب ؛ أي غضب; ثم بين جهة عظمه؛ بكونه من الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ ولهم ؛ أي: بظواهرهم؛ وبواطنهم؛ عذاب عظيم ؛ لارتدادهم على أعقابهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية