الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم

                                                                                                                                                                                                الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلا ومعتمدا في دينهم وتولوه من دون الله ، بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوة . وهو نسج العنكبوت . ألا ترى إلى مقطع التشبيه وهو قوله : وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ؟ فإن قلت : ما معنى قوله : لو كانوا يعلمون وكل أحد يعلم وهن بيت العنكبوت ؟ قلت : معناه لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن . ووجه آخر : وهو أنه إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت ، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون . أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز ، فكأنه قال : وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون . ولقائل أن يقول : مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله ، مثل عنكبوت يتخذ بيتا ، بالإضافة إلى رجل يبني بيتا بآجر وجص أو ينحته من صخر ، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون . قرئ : "تدعون " ، بالتاء والياء . وهذا توكيد للمثل وزيادة [ ص: 550 ] عليه ، حيث لم يجعل ما يدعونه شيئا وهو العزيز الحكيم فيه تجهيل لهم حيث عبدوا ما ليس بشيء ؛ لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلا ، وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء ، الحكيم الذي لا يفعل شيئا إلا بحكمة وتدبير .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية